واستدلوا بدليل قوي أصحاب القول الثاني, وهو أنّ أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب أمروا قيس بن سعد أن يعود في الهبة التي أعطاهم إياها والده لماّ ولد له ولد لا يعلم به, يعني أنّ والد قيس سعد - رضي الله عنه - أعطى أولاده هبة وقسّم أولاده, ولم يعلم أنّ إحدى النساء حامل, ثم توفيّ, فلما ولد هذا الولد, أمر أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب ابنه قيس أن يرجع في الهبة, بمعنى أن يعطي هذا الابن المولود نصيبه, وفي هذا رجوع بعد الموت, والراجح إن شاء الله هو وجوب الرجوع بعد الموت، مذهب الحنابلة ضعيف وأثر أبي بكر الصديق, تقدم الجواب عنه وهو أنه عطية صحيحة لها ما يبررها شرعاً.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(ولا يجوز لواهب أن يرجع في هبته اللازمة إلاّ الأب)
ولا يجوز لواهب أن يرجع في هبته اللازمة, لا يجوز الرجوع في الهبة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (ليس لنا مثل السوء, لا يجوز الرجوع في الهبة, والعائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه) ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (لا يحل للرجل أن يهب ثم يعود في هبته) وهذا أمر واضح.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(إلاّ الأب)
أي فله الرجوع, للأب الرجوع خاصة في الهبة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (لا يحل لرجل أن يهب ثم يرجع في هبته إلاّ الأب فيما يعطي ولده)، وهذا الحديث صححه عامة المتأخرين, ولم أرى للمتقدمين فيه كلام بعد مراجعة يسيرة, ربما نجد لهم كلام, لكن بعد مراجعة يسيرة, لم أجد لهم كلام في هل هذا الحديث أو الاستثناء صحيح أو معلول, على كل حال عامة المتأخرين يصححون إسناد هذا الحديث فظاهره الصحة، وهو دليل على استثناء الأب.
مسألة: رجوع الأب لابد أن يكون بالقول الصريح, وهناك فرق بين رجوع الأب في هبته التي أعطاها ابنه, وبين تملك الأب من مال ابنه, ففي التملك يكفي القبض مع النية أو القول, أما في الرجوع فلابد من الرجوع الصريح بالقول, فإذا أعطى الأب ابنه شيء ثم أخذه, ولم يصرّح بالرجوع فلا يعتبر رجوع, وتبقى العين ملك للابن, إذاً الخلاصة أنه لابد من التصريح في الرجوع بالنسبة للأب إذا أراد أن يعود في هبته.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ: