والقول الثالث: أنّ المطالبة تجوز مطلقاً, لأنّ الأب مدين, والابن دائن, وللدائن أن يطلب المدين, والراجح مذهب الحنابلة للحديث, لأنه ليس في الحديث تفصيل, وإلاّ فإنّ القول الثاني وجيه جداً, وفيه تفصيل طيّب, فمادام الابن بحاجة, والأب غني فلماذا لا يسدد ما عليه لابنه, على كل حال مادام الحديث عام فالراجح إن شاء الله هو مذهب الحنابلة, لأنّ الحديث يقوي مذهبهم.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(إلاّ بنفقته الواجبة عليه, فإنّ له مطالبته بها, وحبسه عليها)
النفقة الواجبة, تجوز المطالبة بها، لأنّ في هذا حفاظاً على النفس المعصومة, فله أن يطالب أباه بالنفقة، كما أنّ الأب مقصّر وظالم لمنع النفقة.
وقبل أن ننهي هذا الفصل نرجع إلى قول المؤلف (وليس للولد مطالبة أبيه بدين) فقوله بدين, مفهوم العبارة أنّ للولد أن يطالب أبيه بعين, فإذا كانت العين موجودة فله أن يطالب أباه بهذه العين, بعد البحث لم أر للحنابلة دليل في التفريق بين العين والدين, لم يذكروا دليلاً, ولعلهم يستدلون بأنّ في قصة الرجل الذي جاء بأبيه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان مديناً, وفي الحقيقة التفريق بين العين والدين في مطالبة الأب ضعيف, لأنّ المقصد الأول هو عظم حق الأب مما يمتنع معه المطالبة بالحقوق والإلزام بها, سواء كان دين أوعين, ونحن نقول إذا كان دليل الحنابلة الحديث, فالحديث قصة عين, وليس فيها ما يدل على أنه لو كان يطالبه بعين, لأذن له النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمطالبة , بل الظاهر من تعليل النبي بالمنع وهو قوله (أنت ومالك لأبيك) أنه يشمل ما إذا كانت المطالبة بدين أو ما إذا كانت بعين.
فصل في تصرفات المريض
المقصود بالتصرفات هنا التبرعات لا المعاوضات فقوله التصرفات لفظ عام يقصد به فقط التبرعات، أما المعاوضات كأن يبيع وأن يشتري أو أن يرهن أو أن يجري أي عقد من عقود المعاوضات فتصرفه صحيح كالسليم, إذاً الكلام في هذا الفصل عن تصرفات المريض مرض الموت المخوف فيما إذا تصرّف تصرفاً فيه تبرع.
وبدأ المؤلف بالمريض الذي مرضه غير مخوف.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(من مرضه غير مخوف, كوجع ضرس, وعين, وصداع يسير فتصرفه لازم كالصحيح)