للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختلف الفقهاء - رحمهم الله - هل الأولى للإنسان أن يقبل الوصية إليه أو أن يرد، فذهب الحنابلة إلى أنّ الأولى والمستحب والأحب إلى الله أن يقبل بشرط أن يكون قوياً وعارفاً, أن يكون قويا على تطبيق الوصية, وعارفا بكيفية التطبيق, فإذا تحققت الشروط فالأولى والأحسن والأفضل أن يدخل فيها, وأن يمتثل بأداء ما أوصي إليه من الأعمال.

القول الثاني: أنّ الأفضل الترك, والاحتياط, وذلك خوفاً على النفس من الخيانة أو التقصير, والراجح إن شاء الله القول الأول وهو المذهب والسبب في ذلك, أنّ عدداً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أوصي إليهم فقبلوا وهم سادة الخلق, وأكثرهم طاعة وورع وتقوى هذا أولا.

ثانياً: أنّ قبول الوصية إليه يدخل في قوله تعالى {وتعاونوا على البر والتقوى}، فإنه من الغالب أنّ الموصي ما أوصى إليه إلاّ لظنه أنه سيقوم بالواجب, ولحرص الموصي على موضوع الوصية أيّا كانت وصية مالية أو تصرفات أخرى، فإذا إن شاء الله الأقرب هو هذا أن يقبل إذا قوي وكان عالماً بأداء الواجب.

قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:

(تصح وصية المسلم إلى كل مسلم)

قوله تصح الوصية إلى كل مسلم, أفادنا مسألتين:

المسألة الأولى: جواز الوصية إلى المرأة, فيجوز أن يوصي إلى امرأة, سواء كان موضوع الوصية تربية, أو موضوع الوصية مالية أو أيّا كان موضوع الوصية، وإلى هذا ذهب الجماهير, بل إنّ هذا الحكم حكي إجماعاً في أكثر من كتاب, فهو في الحقيقة مذهب أكثر أهل العلم واستدلوا على هذا بأنّ الوصية نوع من التوكيل والمرأة يجوز أن توكل.

القول الثاني: أنه لا يجوز أن نوصي إلى امرأة, ولم أرى أحداً ذهب إلى هذا القول إلاّ شخص واحد, من كبار وأئمة التابعين وهو الإمام عطاء - رحمه الله - فإنه ذهب إلى عدم صحة الوصية إلى المرأة, وقوله مرجوح, بل لو قيل إنه قوله شاذ لكان لهذا القول وجه, والسبب في ذلك أنّ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أوصى إلى حفصة ولم ينقل عن أحد من الصحابة إنكار ذلك.

فالقول بعدم صحة الوصية إلى المرأة يخالف الجماهير والإجماع, ويخالف الآثار, وهذا يقّربه من الشذوذ, وعلى كل حال استقّر الأمر على الجواز.

<<  <  ج: ص:  >  >>