الدليل الثاني: أن علة تخيير المرأة أنها زوجت وهي أمة، لا تملك من أمرها شيئاً تصرف فيها سيدها، فلما ملكت رقبتها خيرت، وهذا نصره جداً ابن القيم ورأى أنه مأخذ قوي جداً ورجح هو وشيخ الإسلام هذا القول وهي أنها لها الحرية في الاختيار، سواء كان الزوج حراً أو عبداً.
والراجح إن شاء الله مذهب الحنابلة ومن وجهة نظري أن اختيار الشيخ وتلميذه رحمهم الله ضعيف، السبب في ضعفه من وجهين:
الأول: أن عائشة وهي أعرف الناس بقصة بريرة لأنها هي التي دفعت قيمة المكاتبة وعلى علم بأوضاعها وأحوالها، أخبرت أن زوجها لو كان حراً لم تمكن من الاختيار، هذا أولاً.
ثانياً: أن التعليل الذي ذكره ابن القيم ضعيف، وجه ضعفه أن هذه الأمة زوجت قسراً في حال يبيح الشارع تزويجها عليه، كما أن الصغيرة التي يجوز لوليها أن يجبرها على النكاح إذا كبرت وذهب وصف الصغر ليس لها خيار، كذلك هذه الأمة إنما زوجت قهراً بموجب الشرع وبإذن الشارع، فإذاً لا معنى لتخييرها بعد ذلك، لهذين الدليلين أقول إن اختيار أن القول الثاني ضعيف وأن مذهب الحنابلة في هذه المسألة قوي وأنها إن عتقت وزوجها حر فليس لها الخيار بل تبقى زوجة له.
قال المؤلف - رحمه الله -:
(بل تحت عبد)
يعني بل تخير تحت عبد، إذا عتقت تحت عبد فإنها تخير بلا إشكال بالإجماع والنص، فإن حديث بريرة فيه أنه كان عبداً، كما أن أهل العلم أجمعوا على أنها إذا عتقت صارت أعلى منه منزلة وفقد شرط المكافأة، ولابد أن تختار لنفسها البقاء مع هذا العبد أو الانفصال.
قال المؤلف - رحمه الله -:
(فصل ومن وجدت زوجها مجبوباً ... )
هذا الفصل أراد المؤلف أن يبين فيه العيوب التي ينبني عليها جواز الفسخ من الزوجين، وهذه العيوب عند الحنابلة وعند الأئمة الأربعة معدودة وليست مضبوطة، يعني لا تؤخذ بضبطها بقاعدة معينة وإنما هي معدودة، منهم من يقول أنها ثمانية ومنهم من يقول ستة ومنهم من يزيد أو ينقص وهذه العيوب تنقسم إلى ثلاث أقسام:
عيب يختص بالرجل، وعيب يختص بالمرأة، وعيب مشترك بين الرجل والمرأة، ومفهوم عبارة الحنابلة أن ما عدا هذه العيوب الثمانية لا يجوز ولا يمكّن لأحد من الزوجين الفسخ إذا وجدت في الآخر.