بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
تحدثت بالأمس عن العيب الثاني من العيوب الموجبة أو المخولة لفسخ النكاح وهي من عيوب الرجل. العيب الثاني هو: العنة، وأخذنا بالأمس تعريفه، وأنه يعتبر عيب عند جميع الأئمة إلا من شيخ، استدلالا بالآثار الثابتة عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، واستدلالا بكونه يفقد العقد الحدث الذي من أجله أنشئ وهو الاستمتاع وتحصيل الذرية والسكن وغير ذلك مما يقصد بعقد النكاح.
المسألة الثانية: بماذا يثبت؟ وهي التي أشار إليها المؤلف، تثبت العنة بأحد ثلاثة أمور: الأول الإقرار، والثاني البينة، والثالث النكول، إذا فقدت هذه الثلاثة فإنه لا قيمة لدعوى المرأة بأن الزوج عنين، لابد أن تثبت ذلك إما ببينة أو هو يقر أو يقر وتشهد على إقراره أو تتوجه إليه اليمين وينكل عنها، فبالنكول يقضى عليه، فهم من هذا كما قلت أنه لا يوجد طريقة أخرى لإثبات العنه سوى هذه الطرق التي ذكرها المؤلف.
والقول الثاني: أنه إذا لم نتمكن من إثباتها بهذه الطرق، فإن القاضي يختبر الزوج اختبار مباشر عن طريق وضعهما في غرفة واحدة، وطلب من الزوج أن يريق الماء على الفراش، فإذا أراق الماء وحكم أهل الخبرة أنه ماء الرجل بطلت دعوى المرأة، والأقرب والله أعلم المذهب، وذلك لأن استخدام مثل هذه الطريقة يفضي إلى منازعة شديدة بين الزوجين، ويفضي إلى مفاسد أخرى.
المسألة الثالثة: بماذا يزول أو تزول العنة؟ ذهب الحنابلة إلى أن العنة تزول بإيلاج الحشفة، رأس الذكر، ولا يشترط إيلاج سائر الذكر، وعلى هذا جمهور الحنابلة، واستدلوا على هذا بأن هذا القدر من الجماع يبيح الزوجة لزوج آخر، ويتقرر بها المهر، فكذلك تزول بها العنة.
والقول الثاني: أنه لا تزول إلا بإيلاج جميع الذكر في فرج المرأة، وقالوا أنه بهذا نتحقق من الانتشار التام والوطء التام، والقول الثاني فيه ضعف، والصحيح إن شاء الله مذهب الحنابلة، لما ذكروه من تنظير بقضية استقرار المهر وحل الزوجة لزوج آخر إذا كانت مطلقة ثلاثاً.