القول الثاني: وطء الشبهة لا يجب شيء واستدل هؤلاء بأن: الشارع إنما علق المهر ونحو المهر بوجود الزوج وشبهة، وهذا ليس بزوج، وهذا الثاني اختيار شيخ الإسلام رحمه الله، والراجح إن شاء الله المذهب، سبب ذلك أنه يظهر بوضوح وجلاء أن النبي صلى الله عليه وسلم علق وجوب دفع مهر المثل بالوطء، وهذا ظاهر، ولهذا يقول بما استحل يعني بسبب استحلاله الفرج، وهذا واضح، ومع وجاهة وقوة ما ذكره الشيخ إلا أنه لا يكفي في الخروج عن ظاهر هذا الحديث، هذا هو النوع الأول وهو وطء الشبهة.
وقبل أن ننتقل إلى الثاني، وطء الشبهة يأخذ حكمه وطء آخر، وهو الوطء في نكاح باطل، فالوطء في نكاح باطل حكمه حكم وطء الشبهة، فإذا عرفت حكم وطء الشبهة عرفت حكم النكاح الباطل، وبالإمكان أن يضاف هذا لمساءل الفروق بين النكاح الفاسد والنكاح الباطل، وعلى هذا يكون مقتضى اختيار شيخ الإسلام أنه إذا حصل نكاح باطل فإنه لا يجب شيء ولو مع الدخول الوطء.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(أو زناً كرهاً)
إذا زنا بامرأة غصباً وكرهاً فلها مهر المثل، استدل الحنابلة بحديث عائشة السابق بما استحل من فرجها.
القول الثاني: أن لها المهر إن كانت بكراً، وليس لها شيء إن كانت ثيبة.
والقول الثالث: أنه لا شيء لها، واستدل الذين قالوا بأن لا شيء لها بأن النبي صلى الله عليه وسلم:" نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي" فمهر البغي أبطله الشارع، وهذا القول الثالث اختيار شيخ الإسلام رحمه الله، وهو فيما يظهر لي الآن غاية في الضعف، والسبب في ذلك، أن هذه المزني بها كرهاً، كيف نعتبر الموطوءة بزناً حكمها حكم البغي، البغي رضيت بالبغاء فلا حق لها ولا مهر، وهذه وطئت غصباً، بل إنها المزني بها غصباً أولى بمهر المثل من الموطوءة بشبهة، لأن الوطء بشبهة لا يوجد إجبار منه ولا منها، وإنما محض خطأ، وهنا هذه المرأة مجبرة ومعتدى عليها فهي أحق بمهر المثل من الأولى، ولهذا في الحقيقة غريب اختيار الشيخ اللهم إلا أن يكون له مأخذ آخر لم يذكره، أما التسوية بين وطء الزنا بالرضا والموطوءة بزناً كرهاً هذا غريب، لذلك الراجح إن شاء الله مذهب الحنابلة وهو أن لها مهر المثل.