الدليل الثاني: أن صاحب الدعوة أسقط حرمة نفسه بسبب وجود المنكر، ومعنى أسقط حرمة نفسه يعني لم تعد إجابة دعوته واجبة، يعني أسقط حقه كمسلم يجب إجابة دعوته، وهذا القول مال إليه شيخ الإسلام وقال هو أقيس على كلام الإمام أحمد، فنقول إذا دعيت إلى مكان فيه منكر فأنت مخير بين أمرين: إما أن تذهب أو أن لا تذهب، فإن ذهبت فيجب عليك تغيير المنكر، وهذا القول الذي ذكره شيخ الإسلام وجيه وصحيح، ويؤيده أن ذهاب الرجل المعروف المنظور إلى أفعاله إلى مكان فيه منكر قد يتخذ ذريعة لتسويغ المنكر ولو قام بإنكاره، فإن بعض الناس دائماً يأخذ {ويل للمصلين} ويترك باقي الآية، فيقول فلان حضر دعوة فلان وفيها منكر ولا يكمل ويقول أنه أنكر، لكن إذا امتنع من الذهاب لا شك أن هذا يؤدي إلى أن عامة الناس يتجنبون المنكرات لأن الناس يتجنبونهم بسبب وجود هذه المنكرات.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(وإلا أبى)
وهذا هو القسم الثاني، يعني وإن لم يتمكن من إنكار المنكر وتغييره فإنه لا يذهب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار فيها الخمر" فالبقاء في مكان فيه منكر لا يجوز شرعاً، ولهذا نقول إذا لم تتمكن من تغيير المنكر وجب عليك ألا تذهب وجوباً، لأن إجابة الدعوة واجبة، وعدم المكوث مع المنكر أيضاً واجب، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح.