والقول الثاني: أن العلم بالمنكر يوجب السعي في تغييره وإن لم يرى ولم يسمع، ونحمل قول النبي صلى الله عليه وسلم من رأى إما على رؤية العلم لا رؤية البصر، أو نقول أن الحديث وربما يكون هذا أقرب خرج مخرج الغالب وهو أن الإنسان يعلم بالمنكر من خلال الرؤية أو السماع لا من خلال نقل المنكر إليه، وهذا القول الثاني قد يكون أرجح وأقرب، لأنه على قاعدة المذهب ينبني على هذا أن كثير من المنكرات لا يجب على الإنسان أن ينكرها لأنه لم يرها ولم يسمع بها، وقد يتسبب هذا بانتشار المنكرات واستفحالها بسبب أننا لا ننكرها لأنه لم يرى ولم يسمع، فنقول إن شاء الله أن الواجب أن ينكر وإن لم يرى ولم يسمع إذا علم، مما يدل على هذا أن معاوية رضي الله عنه لما علم بنكاح الشغار قام وأنكره على المنبر وإن كان لم يرى ولم يسمع لأن عقد النكاح صار قبل أن يأتي، فممكن أن نستأنس بهذا الأثر عن معاوية، بأن الإنسان يجب حسب ما يستطيع أن يسعى في إنكار المنكر إذا علم به ولو لم يره ولم يسمعه.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(ويكره النثار والتقاطه)
النثار: هو إلقاء ما يراد توزيعه على الناس ليتناهبوه، سواء كان الملقى طعاماً أو نقداً، ويتعلق بالنثار والتقاط مسائل:
المسألة الأولى: أن بعض الفقهاء يقول أن الخلاف في أنه مكروه أو مباح، وأما الجواز فهو محل إجماع، والغريب أن الحنابلة يحكون هذا الإجماع مع أنه عن الإمام أحمد نفسه رواية بالتحريم، وهي موجودة رواها أصحابه فكيف يحكون الإجماع مع وجود رواية عن إمامهم بالتحريم، ذهب الحنابلة إلى أن النثار والتقاطه مكروه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم:" نهى عن الانتهاب".
والقول الثاني: أن الالتقاط مباح، لأن الالتقاط هو إباحة الإنسان مال نفسه عن طريق نشره بين الناس، وللإنسان أن يبيح الناس ماله كيفما شاء، واستدلوا أيضاً "بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذبح البدن التي أهداها للحرم قال من شاء أن يقتطع فليقتطع" وهذا في معنى النثار.
القول الثالث: التحريم، وهو أنه لا يجوز تمليك المال بطريقة الانتثار، واستدل هؤلاء بأن: