الأول: أنّ امرأة في عهد ابن الزبير اشتكت كثرة الجماع من زوجها, فحكم عليها بست في النهار وست في الليل.
الدليل الثاني: أنّ أنس سئل عن امرأة جامعها زوجها بكثرة فحكم بأربعة في الليل والنهار.
قالوا فهذان الصحابيان قيدوا بعدد محدد، والراجح إن شاء الله مذهب الحنابلة , وهو أنه لا يتقيد بقيد ولا يحدّ بعدد.
وأما الجواب عن الآثار فمن وجهين:
الوجه الأول: البحث في ثبوت هذه الفتاوى، فإن ثبتت فإنّ هذه الفتاوى تحمل على وقوع الضرر من كثرة الجماع، ونحن نتفق، والجماهير يرون ذلك أنه إذا كان هناك ضرر فإنه يجب أن يحد عدد الجماع إلى العدد الذي لا يكون معه ضرر على الزوجة.
إذا نجيب على الآثار بأنها تحمل هذه الآثار على وجود ضرر على الزوجة, أما في الحقيقة إذا كان الزوج يجامع بكثرة ولا يوجد ضرر على الزوجة إلاّ أنه سئمت من كثرة الجماع بلا ضرر يقع عليها, فيظهر لي أنّ مذهب الحنابلة في هذه المسألة أقوى.
سبب الترجيح: أنّ النصوص التي اعتنت بهذا الأمر التي جاءت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - صريحة بأنّ هذا حق من حقوق الزوج ولم يأتي في النصوص ما يقيّد هذا الحق ونحن نفترض ونفرض المسألة مع وجود ضرر على الزوجة، حينئذ الأقرب والله أعلم مذهب الحنابلة.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(وله السفر بالحرة ما لم تشترط ضده)
يعني أنّ للزوج أن يسافر بزوجته, وأنه يجب عليها الطاعة إذا طلب منها أن تسافر معه, إلاّ إذا كانت اشترطت عليه ألاّ تخرج من بلدها فإن كانت اشترطت هذا الشرط, فهو شرط صحيح لازم, وإن لم تكن اشترطت فإنه يجب عليها أن تسافر مع زوجها.
الدليل على هذا: أنّ الزوج له حق الاستمتاع بالزوجة في كل الأوقات ومن ذلك الأوقات في السفر, ولم يتمكن من الاستمتاع إلاّ إذا سافرت معه، وهذا صحيح وهو أنه يجب على المرأة أن تطيع الزوج إذا أراد أن يسافر, لكن يشترط لوجوب الطاعة أن يسافر إلى بلد مأمون في الطريق وبعد الوصول, فإن كان الطريق إلى البلد غير مأمون أو كانت البلد غير مأمونة فإنه لا يجب على الزوجة أن تسافر, فإذا أراد أن يصحبها إلى بلد فيه حرب أو فيه وباء أو فيه كوارث طبيعية فإنه لا يجب عليها أن تسافر معه.