وأما الحديث فهو حديث ابن عباس الذي أشارت إليه, فإنّ زوجة ثابت بن قيس أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - وقالت يارسول الله لا أنا ولا ثابت. وفي رواية في الصحيح، قالت لا أعيب عليه في خُلُق ولا دين, ولكني أكره الكفر, ومقصودها بالكفر أي كفران العشير, والنبي - صلى الله عليه وسلم - لما سمعها تقول لا أعيب خلق ولا دين, أقرّها على أنها لو كانت تعيب عليه خلق أو دِين جاز أن تخالعه, فأخذنا من مجموع الآية والحديث, أنه إذا وجدت هذه الأسباب ونظائرها جاز للمرأة أن تطلب الخلع.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(وإلاّ كره ووقع)
مقصود المؤلف بقوله وإلاّ كره ووقع يعني أنه مع استقامة الحال يكره للمرأة أن تطلب الخلع, واستدلوا على الجواز بقوله تعالى: {فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا} [النساء/٤] فدلت الآية على أنّ المرأة إذا طابت نفسها بشيء من المهر عوضاً جاز مطلقاً, وإلى هذا ذهب الجماهير يعني ذهبوا إلى الجواز مع الكراهة.
القول الثاني: وهو رواية عن الإمام أحمد - رحمه الله - ومذهب داود الظاهري واختاره من المحققين ابن المنذر - رحمه الله - أنه لا يجوز في هذه الحالة الخلع, واستدلوا بثلاثة أدلة:
الدليل الأول: أنّ الآية إنما أباحت الخلع إذا خافوا ألاّ يقيموا حدود الله, ومع استقامة الحال, لا يتحقق الشرط.
الدليل الثاني: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (أيما امرأة طلبت الطلاق من غير ما بأس لم ترح رائحة الجنة) والخلع نوع من الفراق فيقاس على الطلاق.
الدليل الثالث: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (المختلعات والمتبرجات هنّ المنافقات)، وحملوا الحديث على المختلعات بغير سبب لأنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أقرّ إمرأة ثابت على طلب الخلع, لكن هذا الحديث الأخير ضعيف.
والراجح والله أعلم القول الثاني, وفي ظنيّ أنّ هذه المسألة نظرية, لأنّ المرأة لماذا تطلب الخلع مع استقامة الحال, يعني يبعد أن تطلب الخلع مع استقامة الحال، لكن لو فرض أنّ إمرأة مستقيمة الحال مع زوجها وأرادت أن تخالع هكذا, فإنّ الحكم أنّ الجمهور يرون أنّ عملها مكروه , والصحيح أنّ عملها محرم.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(فإن عضلها ظلماً للافتداء)