إذا عضلها ظلما للافتداء فإنّ الخلع لا يصح, لقوله تعالى: {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله} [البقرة/٢٢٩] فالآية نصّت أنه لا يحل للإنسان أن يعضل المرأة لتفتدي منه.
وعضل المرأة يكون بالتضييق عليها أو بالضرب أو بمنع الحقوق أو بمنع النفقة.
القول الثاني: أنه إذا عضلها لتفتدي ظلماً, فإنّ الخلع صحيح والعوض حق يكون للزوج لكن مع الإثم, وهذا مذهب الأحناف.
القول الثالث: أنه إذا عضلها لتفتدي منه, فافتدت منه فإنّ الخلع صحيح ولكن مجاناً فيرد العوض, وهذا مذهب للإمام مالك - رحمه الله - معاملة له بنقيض قصده, فالإمام مالك ألزمه بالخلع يعني بالبينونة الصغرى مع عدم أخذ العوض, كأنه أراد أن يعاقبه على قصده السيئ, انظر الفرق بين مذهب مالك ومذهب أبي حنيفة, تماماً هذا في أقصى الشمال وهذا في أقصى اليمين, وتوّسط بينهما الإمام أحمد, والأقرب والله أعلم مذهب مالك, لأنه عهد في الشرع معاقبة الإنسان بنقيض قصده, فهذا الغال يحرق رحله, ومن امتنع من الزكاة أخذت شطر ماله, فإذا نرى أن الشارع قد يعاقب الإنسان بنقيض قصده, كما أنّ في هذا ردعاً للأزواج الظلمة وإغلاقاً لباب مضايقة المرأة لتفتدي منه بغير حق , فإنّ بعض الأزواج إذا كره زوجته ولم يجد عليها أي خطأ ويريد استرداد المهر صار يظلمها ويعضلها ويضايقها حتى تفتدي, ولاشك أنّ هذا ظلم, لأنه إذا أراد هو أن يطلق فليطلق وليبقى المهر عند الزوجة, لكن بعضهم يتخذ هذا الأسلوب حيلة لاسترداد المهر, وهو مردود عليه.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(ولم يكن لزناها)
هذه العبارة استثناء من العبارة السابقة, يعني إن عضلها لزناها صح لقوله تعالى: {ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} [النساء/١٩] والآية نصّ في أنّ إذا أتت المرأة بفاحشة جاز للرجل أن يعضلها وأن يضايقها بمختلف التصرفات حتى تفتدي منه, لأنّ هذه المضايقات والعضل بحق, فهذه الصورة المستثنى من الأول.