الأمر الرابع: ويعرفه كل من يمارس فتوى طلاق الغضبان , وهو أنّ التفريق بين هذه المراتب عسر جداً لا يكاد يظهر إلاّ في صور نادرة وهي ما إذا وصل إلى غضب لا يختلف فيه اثنان. فيما عدا هذه الصورة التفريق بين المرتبة الثانية والثالثة يكاد يكون شكلي. لمجموع هذه الأمور أنا أرى لاسيما الإجماع وآثار الصحابة, أنّ اختيار الشيخين في هذه المسألة غير صحيح وأنّ الإنسان إذا طلق وهو غضبان فطلاقه واقع ما لم يصل إلى مرحلة لا يختلف فيها اثنان أنه لا يتصور ما يقول وخرج عن عقله وطوره. وهذه المرحلة لا يختلف فيها اثنان لوضوحها ما عدا هذه المرحلة وهي المرحلة الثانية فإنه يقع الطلاق , وممن رجح هذا القول وانتصر له بكلام جيد ابن رجب - رحمه الله - فإنه انتصر لهذا القول بل تعجب من هذا القول لأنه يرى أنّ الصحابة رأوا وقوع طلاق الغضبان لأنه غضبان.
قال فجعل الذين لم يوقعوه الغضب الذي هو سبب في وقوعه سبب في عدم وقوعه. وهذا عكس فقه الصحابة.
على كل حال بعد التأمل ظهر أنا بوضوح أنّ هذا التقسيم نظري وأنه لا يسعف في الواقع , وأنّ الراجح أنّ الغضبان إذا طلق فإنه طلاقه صحيح , ولهذا لما سمع الناس بهذه الفتوى تجد لا يكاد يطلق إلاّ ويقول أنا غضبان. طبيعي أنه غضبان هو لم يطلق إلاّ لذلك ولا واحد بالمائة سيطلق وهو بنفسية هادئة , هذا لا يوجد, إذا غالباً الناس إنما يطلقون حال الغضب ثم يأتي التفريق بين هذه المراتب وهو لا يمكن , كما قلت هذه المسألة مهمة جداً , والإنسان يحتاج أن يستخير وأن يسأل الله التوفيق فيها , لكن هكذا ظهر لي بعد التأمل ولعل بعضكم لو رجع لكلام ابن القيم سيجد مسألة أنّ المعاني التي ذكرها تشترك بين المرتبة الثانية والثالثة.