قوله فصل النوع الثالث في الجراح , تقدم معنا في أول الدرس وفي آخر الدرس السابق الأدلة على وجوب القصاص في الجراح وأنه أمر تفق عليه إلا في مسائل معدودة اختلفوا في القصاص فيها بالنسبة للجراح , لكن من حيث هو وجملة هو محل إجماع.
لا يجوز الاقتصاص في الجروح إلا في الجروح التي تنتهي إلى عظم , فإن كان الجرح لا ينتهي إلى عظم فلا يجوز القصاص فيه , ستدل الحنابلة على هذا أن الجرح الذي لم ينتهي إلى عظم لا يمكن القصاص فيه بلا حيف , وإذا لم يمكن القصاص فيه بلا حيف لم يجز القصاص لأن الظلم محرم.
والقول الثاني أنه يجوز القصاص في الجروح وإن لم تنتهي إلى عظم وطريقة ذلك أن ننظر إلى مقدار الجرح في الطول والعرض والعمق ثم نحدث في الجاني نظيره , والخلاف في هذه المسألة قريب من الخلاف في مسألة القصاص في الأطراف والراجح إن شاء الله هو هذا , أنه يقتص في الجروح ولو لم تكن إلى العظم ولو لم تنتهي إلى عظم , لكن المؤلف سيفرع في المسائل التالية بناء على هذه القاعدة.
ثم - قال رحمه الله - (كالموضحة وجرح العضد والساق والفخذ والقدم)
هذه أمثلة لما يمكن قيها الاقتصاص وليست أمثلة لما لا يمكن فيه الاقتصاص.
فالمثال الأول هو الموضحة والموضحة هي: كل جرح ينتهي إلى العظم إذا كان في الرأس أو الوجه فالموضحة فيها القصاص.
والتعليل ظاهر: لأنها تنتهي إلى عظم. وفيها القصاص بالإجماع لأنها تنتهي إلى عظم.
وجرح العضد والساق والفخذ والقدم لأن هذه الأعضاء إذا جرح الإنسان فيها وصل الجرح إلى العظم لقرب العظم من الجلد , إذا لا إشكال فيها أيضا أنها تعتبر فيها قصاص.
لماذا قال المؤلف جرح العضد والساق ونحن نقول إن الموضحة كل جرح يوصل إلى العظم.؟
إذا هذه تعتبر موضحات .. لأن الموضحة تختص بالرأس والوجه ولهذا أراد أن يبين حكم باقي الأعضاء , وهو جميل جدا من المؤلف.
ثم - قال رحمه الله - (فلا يقتص في غير ذلك من الشجاج والجروح)