إذا غص الإنسان بلقمة ولم يحضره إلاّ الخمر جاز له بالإجماع شرب الخمر لدفع هذه الغصة لأنه حينئذ في حال ضرورة ونفع الخمر فيها متعيّن ومعلوم لأنه من المعلوم أنّ الخمر إذا شرب سيدفع اللقمة ويزيل الغصة ولهذا لم يختلفوا لقوله تعالى {إلا ما اضطررتم إليه} [الأنعام/١١٩] وهذا مما اضطر إليه الإنسان ووجه الضرورة أنه لا يوجد غير هذا الشراب وقد غص بالطعام.
قال - رحمه الله - (وإذا شربه)
ظاهر كلام المؤلف أنّ شرب الخمر يوجب الحد ولو لم يسكر لأنه رتب العقوبة على الشرب ولا على السكر؟ على الشرب فبمجرد ما يشرب الإنسان الخمر فقد استوجب حد الشرب ولو لم يسكر وإلى هذا ذهب الجماهير واختاره الحافظ الفقيه ابن القيم ودليله ظاهر وواضح لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - ما أسكر كثيره فقليله حرام. فدل هذا الحديث على أنّ الذنب هو شرب الخمر لا السكر
وهذا صحيح وهو أنّ الإنسان يحد بمجرد شرب الخمر ولا يشترط أن يسكر بل بمجرد الشرب يحد حد الشرب.
ولهذا لو أنّ المؤلف قال باب حد شرب الخمر كما عبر غيره من الفقهاء باب حد شرب الخمر لكان أدق من قوله حد المسكر فكأنّ الحد يتعلق بالقدر المسكر بينما الحد يتعلق بالشرب.
قال - رحمه الله - (المسلم مختارا عالما أنّ كثيره يسكر)
يشترط لإقامة الحد أن يكون مسلما مكلفا مختارا عالما وتقدمت معنا أدلة هذه الشروط مرارا تكرارا كما تقدم معنا ذكر هذه الشروط في بداية كتاب الحدود وهو أنه لا تقام الحدود مع الإكراه أو الجهل أو عدم التكليف.
ثم - قال رحمه الله - (فعليه الحد ثمانون جلدة مع الحرية)
حد شرب الخمر مما اختلف فيه الفقهاء اختلافا كثيرا على أقوال:
القول الأول: أنّ الحد الواجب الذي لا يجوز النقص عنه ثمانون جلدة واستدلوا على هذا بأنّ عمر - رضي الله عنه - استشار الصحابة
وأشاروا عليه وأصبح هذا إجماع منهم على أنّ الحد ثمانون.
القول الثاني: أنّ الحد أربعون وإلى الثمانين تعزير واستدلوا على هذا بأنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وأول خلافة عمر كانوا يجلدون أربعين جلدة ثم زاد الحد في عهد عمر فدل على أنّ هذه الزيادة من اجتهادات الإمام.