يعني فإن رجعوا بعد أن بيّن لهم وكشف المظالم وإلاّ قاتلهم وجوبا فإنّ الإمام إذا لم يقاتل الفئة الباغية فهو آثم لما يدخلونه على الناس من الشبهات وإخلال بالأمن فيجب عند الحنابلة على الإمام أن يقاتلهم واستدلوا على هذا بقوله تعالى {فقاتلوا التي تبغي}[الحجرات/٩] فأمر بقتال الفئة الباغية إذا لم ترجع إلى الحق بعد أن بيّن لها الحق بنصوص الكتاب والسنة. المؤلف - رحمه الله - وعفا عنه ترك بعض المسائل المذكورة في الأصل وهي في الحقيقة من أهم مسائل الباب فترك ثمرة الحكم على قوم بأنهم بغاة يعني ما يترتب على هذا الحكم من فروع فقهية في الحقيقة تركه لهذا يعتبر من وجهة نظري نقص ظاهر ومخل بالباب لأنه يجب أن ترتب الأحكام بعد أن تعرف حقيقة البغاة.
فنقول إذا قاتل الإمام البغاة فإما أن يرجعوا ويتوبوا ويعرفوا الحق أثناء القتال أو يهزموا بأن يتمكن الإمام من هزيمتهم. فإذا حصل أي من الأمرين: ترتب على هذا ثلاثة أحكام:
الحكم الأول: أنه لا يجوز الإجهاز على جريحهم ولا إتباع مدبرهم. فلا يتبع المدبر ولا يجهز على الجريح. وإنما يتوقف القتال. والدليل على هذا أنّ أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - أمر أصحابه بذلك في معاركه مع الخوارج ومع أهل الشام.
الحكم الثاني: أنه لا يجوز للإمام أن يسبي نسائهم ولا أن يصطفي أموالهم وهذا الحكم أيضا مستفاد من سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - التي وافقه عليها الصحابة فإنه لما هزم أهل الشام في بعض المعارك لم يسبي نسائهم ولم يصطفي أموالهم وكانت هذه النقطة من النقاط التي اعترض فيها الخوارج على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وقالوا إذا قاتلتهم أن تسبي نسائهم وأموالهم.
أو أن تكف عن قتالهم. فما استطاعت عقولهم أن تجمع بين القتال لتوحيد الأمر وبين الكف عنهم لأنهم إخوان لنا. ولكن أمير المؤمنين ومن معه من الصحابة استوعبوا هذا الحكم الشرعي فنهى علي بن أبي طالب أحدا من أفراد الجيش أن يسبي امرأة منهم أو أن يأخذ
مالا لهم بل إنه لما انتهت المعركة أمر بإرجاع الأعيان الموجودة إلى أصحابها من البغاة.