الدليل الثالث: أنه لو لم يعدل لأدى هذا إلى انكسار الضعيف الذي جار عليه القاضي وعدم القيام بحجته وهذا يؤدي إلى ضياع الحقوق وهذا مما اتفق عليه المسلمون أنّ القاضي يجب أن يكون عادلا في لفظه ولحظه فلو فرضنا أنّ بعض القضاة إذا تكلم أحد الخصمين توجه إليه بوجهه واستقبله وأرعاه سمعه واستعاد الألفاظ منه ليفهمها وإذا تكلم الخصم الآخر صار ينظر في الأوراق أو يلتفت إلى النافذة فلا شك أنه وقع في محرم وأنه آثم ويحتاج إلى التوبة كذلك طريقة الكلام فكونه إذا تكلم مع أحدهما تكلم برفق وعناية وابتعد عن النهر والتشديد واختيار الألفاظ وإذا تكلم مع الآخر زجره واستعجله وأمره أن يلقي بحججه فورا مما يربك الخصم فأيضا لا شك أنه وقع في محظور يعني يجب أن يتوب منه يستثنى من هذا إذا كان أحد الخصمين لجوجا ليس بمؤدب فلا حرج على القاضي أن يغلظ عليه القول وأن يؤدبه لأنّ هذا الإغلاظ ليس بسبيل الحكومة أو المسألة المعروضة وإنما للتأديب فلا شك وأحيانا ينبغي ويتحتم على القاضي أن لا يدع أحد الخصمين لجوجا غضوبا يعتدي على القاضي تارة وعلى الخصم الآخر في مجلس الحكم تارة ويطلق من الألفاظ ما لا يحسب له حسابه ينبغي أن يضبط مجلس الحكم.
ثم - قال رحمه الله - (ومجلسه , ودخولهما عليه)
أيضا يجب عليه أن يسوي بينهما في مجلسه وفي دخولهما عليه ولو قال في دخولهما عليه وفي مجلسه لكان أولى بالتضليل فإنهم يدخلون ثم يجلسون ففي دخولهم لا يقدم أحدا على أحد فلا يأمر بدخول فلان قبل فلان بل يدخلون عليه جملة واحدة فإن كان الباب لا يكفي لأثنين فإنه لا يأمر أحدا بالدخول فإن تقدم أحدهما فتقدمه ليس بأمر القاضي فلا حرج عليه.
الأمر الثاني: أن يجلسهما أمامه متساويين فلا يفضل أحدهما على الآخر وهذا القدر أيضا مجمع عليه إلاّ في مسألة واحدة إذا كان أحد الخصمين كافرا فإنّ الحنابلة يرون أنه يجوز أن يقدم في الدخول وأن يفضل في الجلوس لأنه لا يستوي المسلم والكافر ولأنه لا يمكن أن نسوي بين من أطاع الله وبين من عصى الله.