يعني إذا أحضر المدعي بيّنته سمعها القاضي ثم حكم بها يعني بعد أن يقول للمدعى عليه أتقدح في هذه البيّنة بقادح فإذا لم يكن عنده قوادح صارت البيّنة سالمة من القوادح وحينئذ يجب عليه أن يحكم بها كما يجب عليه أن يحكم بالإقرار لأنها أصبحت بيّنة سالمة من القوادح فوجب عليه أن يحكم بها وهو أمر بدهي.
ثم - قال رحمه الله - (ولا يحكم بعلمه)
لا يجوز للقاضي أن يحكم بعلمه سواء علم هذا العلم قبل أن يتولى القضاء أو بعد أن يتولى القضاء , وسواء علم به قبل أن تعرض عليه القضية أو بعد أن تعرض عليه القضية يعني مطلقا لا يجوز له أن يحكم بعلمه مطلقا واستدلوا على هذا بأمرين:
الأمر الأول: أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لما شكى إليه الأعرابي اعتداء من أخذ النصاب الزكوي عليهم بجراح وأعطاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - مقابل الجراح قال لهم إني خاطب بالناس ومخبرهم أنكم رضيتم قالوا نعم. فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - وخطب وقال أنهم اعتدوا على بني فلان وأني أعطيتهم حتى رضوا أكذالك؟ قالوا لا. فَهّم بهم الأنصار يعني ليضربوهم أو يقتلوهم.
فكفّهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ونزل وأعطاهم حتى رضوا. قال أرضيتم؟ قالوا نعم. قال فإني خاطب الناس ومبلغهم قالوا نعم؟ فخطب الناس وقال إني أعطيت بني فلان حتى رضوا كذلك قالوا نعم. في المرة الثانية. وجه الاستدلال أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطاهم في المرة الأخرى مع أنه يعلم أنهم رضوا في المرة الأولى فدل هذا على أنّ القاضي لا يحكم بعلمه.
الدليل الثاني: وعليه المعتمد أنّ فتح باب حكم القاضي بحكمه يؤدي إلى التلاعب والتهمة ويستطيع من خلاله القاضي أن يحكم على من يشاء بما يشاء ويدعي أنه حكم بناء على علمه المسبق.
والقول الثاني: أنه يجوز للقاضي أن يحكم بعلمه مطلقا واستدلوا على هذا بأنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهند خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف فحكم النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير نظر ولا استدعاء للمدعى عليه لأنه يعلم أنه كان بخيلا - رضي الله عنه - فحكم بعلمه. والجواب أنّ هذا الحديث فتيا وليس بحكم بدليل أنه لم يطلب المدعى عليه إلى مجلس الحكم ولم يسمع منه.