القول الثالث: إذا كان الأمر وحقيقة القضية لا تعلم إلاّ من قبل المدعى عليه فإنها لا ترد اليمين , مثاله قصة ابن عمر مع زيد القصة السابقة , فإنّ ابن عمر المدعى عليه هو الذي يعلم هل في العبد عيب أو لا. لأنّ المشتري لا يعلم عن العبد شيئا قبل العقد فهنا لا ترد اليمين وإن كان الذي يعلم القضية هو المدعي وحده ردت اليمين. مثاله أن يدعي زيد على رجل ميت فالآن المدعي يتفرد بمعرفة القضية لأنّ المدعى عليه ميت فهنا نرد اليمين ولا نكتفي بمجرد النكول لأنّ الورثة قد يأبون اليمين لعدم معرفتهم بالقضية فنرد اليمين ولا نحكم بمجرد النكول وهذا القول الأخير فيه تفصيل جيد تجتمع فيه الآثار المروية عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وإذا لم يختص أيّ منهما بالمعرفة لا المدعي ينفرد بالمعرفة ولا المدعى عليه ينفرد بالمعرفة فهنا فيه خلاف والراجح أنه لا ترد اليمين.
ثم - قال رحمه الله - (فإن حلف المنكر ثم أحضر المدعي بيّنته حكم بها ولم تكن اليمين مزيلة للحق)
القاعدة أنّ اليمين مزيلة للخصومة لا للحق فإذا قال المدعي أنه لا بيّنة له ثم أحضرها بعد ذلك فإنها تسمع واستدل الحنابلة على هذا بأنه قد ينسى وقد لا يعلم ببيّنته أصلا ثم يعرف بأنّ له بيّنة بأن يأتي شاهد يشهد في القضية لم يعرفه المدعي فلأجل أنّ المدعي ربما لا يعرف البيّنة يقبل منه أن يحضرها بعد أن لم يأتي ببيّنة.
مسألة / فإن قال المدعي ليس لي بيّنة فإنه إذا أتى بها بعد ذلك لا تقبل لأنه أكذب نفسه.
والقول الثاني: أنها تقبل لأنه حين قال ليس لي بيّنة إنما قال ذلك بناء على أنه لا يعرف لنفسه بيّنة ثم عرفها بعد ذلك فأتى بها فليس في هذا تكذيبا للنفس بل ربما ظهر له ما لم يكن ظهر من قبل وهذا القول الثاني هو الراجح ويتحصل من ذكر المسألتين والخلاف أنه تقبل البيّنة مطلقا سواء لم يأتي بها ابتداء أو قال ليس لي بيّنة فتقبل مطلقا.
فصل
قال - رحمه الله - فصل (ولا تصح الدعوى إلاّ محررة معلومة المدعى به)