ظاهرة عبارة المؤلف أنه يشترط لتصحيح الدعوى أن تكون محررة وأن تكون معلومة المدعى به والواقع أنّ هذا شيء واحد ولهذا عبارة الشيخ في المقنع يقول في المقنع [ولا تصح الدعوى إلاّ محررة تحريرا يعلم به المدعى] فصار هذا الشرط شرطا واحدا وهذا هو الصواب أنه شرط واحد ومعنى هذا الشرط أنّ الدعوى لا تقبل إلاّ وقد بيّن المدعي كل ما يتعلق بالدعوى من حيث قدر المال وصفته وجنسه وسبب وجوبه عند بعض الفقهاء إذا لا تقبل إلاّ وهي محررة أي كاملة مذكور فيها كل ما يتعلق بالحق المدعى واستدل الحنابلة على أنها لا تسمع إلاّ محررة بأنّ الدعوى يترتب عليها أن يحكم القاضي من جهة وأن يلزم المحكوم عليه بدفع الحق من جهة أخرى ولا يتمكن من الحكم ولا بالإلزام من الدفع إلاّ بعد تحرير الدعوى وهذا لا شك وهو بدهي أنّ القاضي لم يحكم إلاّ بعد أن يعرف بماذا يدعي بالضبط المدعي.
والقول الثاني: أنه لا يشترط وأنّ له أن يقول ادعي حقا على فلان فإذا قبل القاضي الدعوى أمره بعد الإجمال بالتفصيل وهذا القول الثاني ليس إلاّ تضيعا للوقت ورجوعا للقول الأول والصواب أنّا نلزم المدعي بأن يبيّن ويحرر الدعوى من الأول ولا نقول نسمع الدعوى ثم نطلب تحريرها بعد ذلك فإنّ هذا تطويل ليس له معنى.
ثم - قال رحمه الله - (إلاّ ما نصححه مجهولا كالوصية وعبدا من عبيده مهراً ونحوه)
القاعدة أنّ كل ما صح مجهولا صحت الدعوى به وما ذكره المؤلف لا يعدوا أن يكون أمثلة , فكل ما صح مجهولا صحت الدعوى به.
ذكر الشيخ ثلاثة أمثلة. المثال الأول: يقول إلاّ ما نصححه مجهولا كالوصية. الوصية تصح بالمجهول كما تقدم معنا فلو قال أوصيت لفلان بشيء أو أوصيت لفلان بأرض أو بسهم فهي مجهولة ومع ذلك نصحح هذه الوصية لأنها ليست من قبيل المعاوضات فإذا ادعى بوصية فله أن يدعي بدعوى غير محررة فيقول فلان أوصى لي وليس بملزم أن يبيّن بماذا أوصى له.
المثال الثاني: وعبد من عبيده مهرا. إذا قالت الزوجة مدعية على الزوج أنه أمهرها أو أصدقها عبدا من عبيده صحت الدعوى وإن كانت مبهمة لأنّ المهر يصح أن يكون مبهما ويبيّن بعد ذلك فإذا ترجع إلى القضية السابقة.