القسم الثاني: الحدود فالحدود محل خلاف. القول الأول: أنه لا يشرع كتاب القاضي إلى القاضي في الحدود واستدل هؤلاء بأنّ الحدود مبناها على الدرء بالشبهات وكتاب القاضي إلى قاضي فيه شبهات كثيرة من حيث أنه فيه فرع وأصل ومن حيث وجود الوهم في الكتابة. والقول الثاني: أنها تصح بالحدود قياسا على الشهادة على الشهادة , وقياسا على الأموال هذا القسم الثاني.
القسم الثالث: ما عدا الحدود مثل القصاص والنكاح والطلاق والخلع ونحو هذه الأشياء ففيه خلاف المذهب صحة كتابة القاضي إلى القاضي لأنّ أحكام هذه الأشياء ليست مبنية على الدرء بالشبهات بل على الإثبات.
والقول الثاني: أنه لا يصح أن يكتب فيها من القاضي إلى القاضي قياسا على الحدود. والراجح أنّ كتاب القاضي إلى القاضي يصح في كل الأشياء بلا استثناء فله أن يكتب إلى القاضي الآخر بجميع أنواع القضايا بلا استثناء لأنه لا يوجد دليل صحيح على الاستثناء إلاّ التوهمات وعلل لا تكفي للمنع.
ثم - قال رحمه الله - (ويقبل فيما حكم به لينفذه وإن كان في بلد واحد)
إذا حكم القاضي بشيء وأرسل بالحكم لقاض آخر لينفذه فقط فإنّ القاضي الثاني ملزم بتنفيذ الحكم مطلقا ومعنى مطلقا أي سواء كان القاضي المكتوب إليه قريب أو بعيد والقريب والبعيد في عرف الفقهاء هو مسافة القصر واستدلوا على هذا بأنّ حكم القاضي ملزم واجب التنفيذ فعلى من وصله من الحكام أن يعمل به مقصودهم بهذا الكلام أنّ حكم القاضي أعطاه الشارع قوة للتنفيذ فهو يحمل في طياته بيانا وإلزاما كما تقدم معنا في أول كتاب القضاء فهذه القوة التي جعلها الله في حكم القاضي إذا وصلت إلى القاضي الآخر أصبح ملزما بها وهذا لا إشكال فيه.
ثم - قال رحمه الله - (ولا يقبل فيما ثبت عنده ليحكم به إلاّ أن يكون بينهما مسافة قصر)
إذا كتب له بما ثبت عنده ليحكم القاضي الثاني به فحينئذ لا يجوز إلاّ إذا كان بينهما مسافة قصر فإن كان بينهما دون مسافة القصر فإنه لا يجوز وعللوا هذا بأنّ هذا الكتاب لا حاجة إليه لأنّ القاضي القريب بإمكانه أن يباشر القضية بنفسه.