ولا يخفى أن القول الثاني هو القول الراجح وتعليق الأحكام بوصف الحضر والبدو لا أصل له في الشرع إنما نعلق الأحكام على الضوابط التي جاءت عن الشارع. ومنها في هذا الباب: مسألة أن يكون الأقرأ.
قوله: (ومقيم). أي أن المقيم مقدم في الإمامة على المسافر. فإذا حضرا قدم المقيم وتأخر المسافر.
واستدلوا على ذلك: بأنه يلزم من تقديم المسافر أحد أمرين: الأول: أن يقصر فيفوت بذلك على المقيم الصلاة كاملة جماعة لأنه سيقوم يقضي ركعتين بلا جماعة منفرداً. الثاني: أن يتم المسافر فيعتبر فعل مكروهاً.
لذلك قالوا: نقدم المقيم على المسافر.
= والقول الثاني: أنه يقدم من قدم الله ورسوله سواء كان مسافراً أو مقيماً لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: (يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله).
وفي المسألة: دليل خاص وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما نزل مكة صلى بالناس وقصر الصلاة وقال لأهل مكة: (إنا قوم سفر فأتموا صلاتكم).
فهو - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم إماماً وهو مسافر وهم مقيمون والأصل العام أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقتدى به في كل أفعال الصلاة لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (صلوا كما رأيتموني أصلي).
والراجح القول الثاني.
قوله: (وبصير). يعني أنه يقدم البصير على الأعمى. فهو أولى منه بالإمامة.
التعليل: قالوا: أن البصير أقدر على استكمال شرائط الصلاة من الأعمى سو اء كان من حيث استقبال القبلة أو الطهارة من النجاسة أو الوضوء وغير ذلك من شروط الصلاة.
= والقول الثاني: أن الأعمى أولى لأنه أقرب للخشوع.
= والقول الثالث: أنه يقدم من قدم الله ورسوله فمن كان أقرأ قدم سواء كال أعمى أو مبصر وقد صح أن ابن عباس - رضي الله عنه - لما فقد بصره صلى بالناس إماماً وهو أعمى.
وفي رواية أنه امتنع أن يؤم الناس لما صار أعمى. لكن الأقرب للصحة أنه صلى - رضي الله عنه - ولم يمتنع من الصلاة.
والراجح هو القول الثالث.
وأجيب عن قضية الخشوع أنه يكره عند العلماء إغماض العينين ولو كان هذا مندوباً إليه وفضيلة لكان إغماض العينين مندوباً إليه.
وعلى كل حال فإن فيه شيء من الصواب فلا شك أن الكفيف لا يشتغل بما أمامه من الملهيات.