واستدلوا على هذا: بأن أبا بكرة - رضي الله عنه - دخل والنبي - صلى الله عليه وسلم - راكع فركع عند الباب ودب على قدميه إلى أن دخل في الصف.
وجه الاستدلال أنه - رضي الله عنه - صلى منفردا ً خلف الصف ولما انتهى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له:(زادك الله حرصاً ولا تعد).
وذكرنا أن الروايات فيها اختلاف هل قال:(لا تُعِدْ أو لا تَعُدْ). وأن الأقرب رواية ودراية أنه قال:(لا تَعُدْ). حتى من حيث الرواية فإن أكثر الرواة قالوا:(لا تَعُدْ). فنهاه ولم يأمره بإعادة الصلاة مع أنه صلى منفرداً خلف الصف.
الجواب على هذا الدليل: أن هذا الصحابي وإن كان دخل في الصلاة منفرداً إلا أنه حقق المصاففة قبل أن يرفع النبي - صلى الله عليه وسلم -.فلم يتحقق فيه وصف الانفراد.
وبهذا أجاب شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله.
= والقول الثالث: وهو منسوب للعالم الكبير الحسن البصري رحمه الله واختاره ابن القيم وشيخ الاسلام أن صلاة المنفرد خلف الصف لا تصح إلا إذا لم يجد مكاناً.
فقولهم مركب من شقين:
- الأول: أنه تبطل صلاة المنفرد خلف الصف. وأدلتهم هي أدلة الحنابلة.
- الثاني: أنها تصح إذا لم يجد مكاناً. واستدلوا بالقاعدة المشهورة التي يقررها شيخ الاسلام مراراً وتكراراً:
((أن الواجب يسقط بالعذر لقوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم).
وهذا القول - الأخير - قوي ووجيه جداً ومع ذلك يتحتم على الإنسان أن يحرص حرصاً شديداً أن لا يصلي منفرداً خلف الصف ولو كان في الحقيقة لا يوجد مكان احتياطاً.
وسبب الاحتياط: أن الأحاديث التي ذكرها الإمام أحمد ليس فيها تفصيل ولم يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك الرجل هل كنت تجد مكاناً؟ أو لم تجد مكاناً؟ وإنما حكم على صلاته بالبطلان.