وهذا اختيار شيخ الاسلام بن تيمية.
= والقول الثالث: أنه يجوز إذا كان بينه وبين الفرجة صف أو صفين أو ثلاثة فقط.
= والقول الرابع: أنه لا يجوز مطلقاً. وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله.
في الحقيقة اختيار شيخ الاسلام يتوافق مع هذه الرواية. وجه ذلك:
أن الشيخ رحمه الله يقول: لا يجوز تخطي الرقاب إلا إذا إلى الفرجة التي بين يديك والفرجة التي بين يدي ليس فيها تخطي للرقاب. فصار قوله كقول الإمام أحمد وربما هو رحمه الله يريد هذا - يريد أن يختار هذه الرواية عن الإمام أحمد وهي المنع مطلقاً.
وهذا القول هو الصواب - المنع مطلقاً ولو وجدت فرجة.
والدليل على ذلك: أن الرجل الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم اجلس فقد آذيت إنما تقدم ليجلس في فرجة. وهذا هل هو احتمال أو نص؟
هذا احتمال. لأننا نجد اليوم بعض الناس يتقدم لعله يجد فرجة وليس يتقدم ليجلس في فرجة. فربما كان الرجل كذلك لكن مع ذلك نقول: أنه ولو وجدت فرجة فإن حرمة الناس الذين تقدموا لا تسقط بقضية أنهم لم يتقدموا وأذيتهم لا تجوز مع ذلك.
• ثم قال رحمه الله:
وحرم: أن يقيم غيره فيجلس مكانه.
يعني: أنه يحرم أن يقيم الرجل رجلاً آخر ويجلس مكانه فإن فعل فهو آثم وفي صحة صلاته خلاف.
والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لايقيم الرجل الرجل من مكانه ليجلس فيه).
•
ثم قال رحمه الله:
إلاّ من قدّم صاحباً له في موضع يحفظه له.
يعني: أنه يستثنى من حكم المسألة السابقة ما إذا أرسل الإنسان رجلاً يجلس في مكان ثم إذا قدم هذا الرجل قام له من مكانه ليجلس فيه.
فهذا جائز لدليلين:
- الأول: أن الذي قام قام باختياره.
- الثاني: أن الشيخ الفقيه الإمام الكبير محمد بن سيرين كان يصنع ذلك. فقد كان يرسل غلاماً يجلس حتى إذا جاء قام وجلس مكانه.
وأما القائم فإنه يكره له أن يقوم لأن التبرع بالقرب مكروه. ولذلك القاعدة المشهورة تقول: الإيثار بالقرب مكروه.
إذاً عرفنا الآن حكم الذي سيأتي وحكم الذي سيقوم.