واستبعاد كل ما يتعارض مع هذين المصدرين من مفردات أقحمت على السيرة عبر الزمن فيما أصابها بالتضخّم، وأضاف إليها الكثير مما لم يكن فيها ابتداء.
ولهذا السبب يدعو الندويّ إلى تجاوز ما يسمّيه «الأسلوب الموسوعي الحاشد للمعلومات في غير نقد وتمحيص» ، فإنّ بعض مؤرّخينا القدماء، أسوة ببعض أدبائنا القدماء، كان مغرما في سياق نزعة موسوعية جمّاعة، إلى أن يضيف ويحشد وينوّع، مؤثرا الحصيلة الكمية على حساب التركيز الوعي، مفتقدا- أحيانا- المنهج النقدي، الانتقائي، الممحّص، وهذا المنهج يقتضي أول ما يقتضي الإحالة المنضبطة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فضلا عن اعتماد معطيات المناهج الحديثة لما يمكن اعتباره إعادة للأمور إلى نصابها الحق فيما يتعلّق بنسيج السيرة، ويكفي أن يلقي المرء نظرة على هوامش الكتاب لكي تتبيّن له المساحات الواسعة التي اعتمد فيها المؤلّف على المعطيات التاريخية عن السيرة في كتاب الله وأحاديث رسوله عليه الصلاة والسلام.
ومن أجل ألّا يتصوّر أحد، أو يخطر على باله، بأنّ دعوة الندويّ هذه قد تقود العمل باتجاه الانسياق وراء الاتجاهات الغربية المعاصرة في دراسة السيرة، فإنه يدعو إلى رفض تقليد هذه الاتجاهات أو «الخضوع لكتابات المستشرقين وأقوال المشكّكين» ، وهاهنا بصدد النقطة الأخيرة فإنّ منهج البحث الغربي، في حقل السيرة بالذات، قد يتعامل بصيغ نقدية حادة ومبالغ فيها، تقود بالضرورة إلى التشكيك بالكثير من أهمّ وقائع السيرة ومرتكزاتها، خاصة إذا تذكرنا المنظور المادي للرؤية الغربية، أو العلماني على أحسن الأحوال، هذا المنظور الذي يرفض البعد الغيبي في تعامله مع