ويرى المتتبّع لأوضاع جزيرة العرب بصفة عامة، ووضع مكّة المكرمة مركز الجزيرة الدينيّ والثقافيّ والسياسيّ وواقعها، أنّ الباعث لأهل الضّمائر الحيّة على إنشاء هذا الحلف لم يكن حادثة تتعلّق بفرد واحد أو لبعض حقوق مهضومة لأفراد معدودين، بل كان الباعث القويّ هو القلق من حالة الفوضى وعدم الثقة التي كانت تسود مكة وما حولها، والشعور بالحاجة إلى الأمن والاستقرار- خصوصا بعد حرب الفجار- واحترام الحقوق والكرامات، وحماية الغرباء والوافدين إلى مكّة من التجار والصنّاع.
قلق غامض وعدم ترقّب لنبوّة أو رسالة:
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجد في نفسه قلقا غامضا، لا يعرف مصدره ولا
- دعا إليه ثلاثة من أشرافهم، اسم كلّ واحد منهم «فضل» وهم: الفضل بن الفضالة، والفضل بن وداعة، والفضل بن الحارث، فيما قاله ابن قتيبة، وقال غيره: الفضل بن شراعة، والفضل بن بضاعة، والفضل بن قضاعة، ولذلك سموه بحلف الفضول. وقال بعضهم: إنما سمّته قريش- حلف الفضول- لأنهم قالوا: لقد دخل هؤلاء في فضل من الأمر. [وقال ابن الأثير: «حلف الفضول» سمّي به تشبيها بحلف كان قديما بمكّة، أيام (جرهم) على التناصف، والأخذ للضعيف من القويّ، وللغريب من القاطن، قام به رجال من (جرهم) كلّهم يسمّى (الفضل) منهم: الفضل بن الحارث، والفضل بن وداعة، والفضل بن فضالة ( «النهاية في غريب الحديث» ج: ٣، ص ٤٥٦) ] . وأمّا ما روي عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما شهدت حلفا لقريش إلا حلف المطيّبين» فلا يصح لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدرك حلف المطيّبين، قال البيهقي: روي هذا التفسير مدرجا في الحديث ولا أدري قائله. قال ابن سيد الناس في كتابه «عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير» : «شهد النبي صلى الله عليه وسلم حلف الفضول، وعمره إذ ذاك عشرون سنة، وهذا الحلف وقع في ذي القعدة بعد حرب الفجار» (ج/ ١، ص/ ٤٦) . [انظر قصة الفضول في «مسند أحمد» (١/ ١٩٠) ، وفي «مسند أبي يعلى» برقم (٨٤٤) من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه] .