للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم يكد بعضهم يصدّق بنبأ وفاته، وكان في مقدّمتهم عمر بن الخطّاب رضي الله عنه-، فأنكر على من قال: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرج إلى المسجد وخطب الناس، وقال: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يموت حتّى يفني الله المنافقين «١» .

[موقف أبي بكر الحاسم:]

وكان أبو بكر- رضي الله عنه- وهو الذي هيّأه الله لخلافة النبوّة والوقوف موقف العزيمة والحكمة، رجل الساعة المطلوب والجبل الراسي الذي لا يحول ولا يزول، فأقبل من منزله حين بلغه الخبر، حتّى نزل على باب المسجد، وعمر يكلّم الناس، فلم يلتفت إلى شيء، حتّى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة وهو مسجّى «٢» ، فكشف عن وجهه، ثمّ أقبل عليه فقبّله، ثمّ قال: بأبي أنت وأمّي، أمّا الموتة التي كتب الله عليك فقد ذقتها، ثمّ لن تصيبك بعدها موتة أبدا، وردّ البرد على وجهه صلى الله عليه وسلم.

ثمّ خرج وعمر يكلّم الناس، فقال: على رسلك يا عمر! وأنصت، فأبى إلّا أن يتكلّم، فلما رآه أبو بكر لا ينصت، أقبل على الناس، فلمّا سمعوا كلامه أقبلوا عليه، وتركوا عمر، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال:

أيّها الناس! إنّه من كان يعبد محمدا فإنّ محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله، فإنّ الله حيّ لا يموت، ثمّ تلا هذه الآية:

وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى


(١) سيرة ابن كثير: ج ٤، ص ٤٧٩ [وأخرجه أحمد في المسند (٦/ ٢١٩- ٢٢٠) ، والترمذي في الشمائل باب في وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، برقم (٣٧٣) ، وأبو يعلى في المسند، برقم (٤٨) من حديث عائشة رضي الله عنها] .
(٢) مسجّى: أي مغطّى ببرد.

<<  <   >  >>