وبعد ما قصّ الكاتب قصة زحف الإمبراطورية الإيرانية على الإمبراطورية البيزنطية، ثم انتصار البيزنطيين على الإيرانيين في شيء من التوسّع، عاد إلى وصف التّدهور الاجتماعيّ والخلقيّ السائد في أواخر القرن السادس المسيحيّ، فقال:
«كان يسوغ لمتتبّع- غير محنّك ناضج الفكر- للأوضاع السائدة في أوائل القرن السابع المسيحيّ، أن يتنبّأ بسهولة وبثقة بأنّ أوربة، وآسيا، ستقعان تحت رحمة المغول الوحوش في غضون بضعة قرون قادمة، فلم تكن في أوربة الغربية أمارات للأمن والنظام وحكم القانون، وقد كانت المملكتان:
البيزنطيّة والإيرانية مشغولتين في حرب إبادة وتدمير، بينما كانت الهند في حالة توزّع وبؤس» «١» .
ظهر الفساد في البرّ والبحر
وبالجملة فقد كانت الإنسانية في عصر البعثة في طريق الانتحار، وكان الإنسان في هذا القرن قد نسي خالقه، فنسي نفسه ومصيره، وفقد رشده، وقوة التمييز بين الخير والشرّ، والحسن والقبيح، وكان الناس في شغل شاغل وفكر ذاهل، لا يرفعون إلى الدّين والآخرة رأسا، ولا يفكّرون في الروح والقلب، والسعادة الآخروية وخدمة الإنسانية، وإصلاح الحال لحظة، وربّما كان إقليم واسع ليس فيه أحد يهمّه دينه ويعبد ربّه، لا يشرك به شيئا، ويتألم للإنسانية ومصيرها البائس، وصدق الله العظيم: