وكانوا يلجؤون في صناعة البناء- وكان لا بدّ منه- إلى عمّال من الرّوم أو الفرس.
وكان منهم كتّاب يعرفون الكتابة والقراءة، وإن كانت الأميّة غالبة عليهم، ولذلك سمّاهم القرآن ب «الأمّيّين» فقال: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ [الجمعة: ٢] .
وكانت مكّة وأهلها مثلا في الجزيرة العربيّة في سلامة الذّوق والظّرف والأناقة، شأن العواصم والمدن الرئيسية في كلّ قطر، عريقة في الآداب.
أمّا لغتهم فكانت هي الميزان، وهي المرجع، وعليها الاعتماد في سائر أطراف الجزيرة، وكانوا أبلغ العرب وأفصحهم وأصحّهم تعبيرا ونطقا، وأبعدهم عن الهجنة أو الرطانة وتأثير الاختلاط بالعجم.
وكان حظّهم من تناسب الأعضاء واعتدال الخلق، والخلق، والهندام وحسن الشارة، أكثر من أهل النواحي الآخرى، حتّى كانوا شامة بين الناس، يجمعون بين الصفات التي يسمّى مجموعها ب «الفتوة» و «المروءة» ، وتغنّى بهما شعراء العرب وخطباؤهم، لذلك كانوا أئمة الناس في الشرّ والخير.
وكان أكثر عنايتهم بالأنساب وأخبارها، ثمّ بالشعر، ثم بالنجوم، والأنواء، والعيافة، وشيء يسير من الطّبّ يقوم على التجربة، والتناقل، وشيء كثير من حلية الخيل والمعرفة الدقيقة بأعضائها وصفاتها، والتفرّس بالرجال والخيل، وشاعت فيهم طرق للعلاج، كالكيّ، والبتر، والفصد، والحجامة، وتناول الأدوية.
القوّة الحربية:
أمّا قوّة مكة الحربية، فكانت قريش تؤثر السّلم والهدوء في عامّة