للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[قتال المستميتين وصولة الأسود:]

فلمّا كانوا بتخوم البلقاء، لقيتهم الجموع من الروم والعرب، بقرية من قرى البلقاء، يقال لها «مشارف» ودنا العدوّ، وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها «مؤتة» والتقى الناس، واقتتلوا «١» .

وقاتل زيد بن حارثة- رضي الله عنه- براية رسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى استشهد، وقد أخذت الرماح منه كلّ مأخذ، ثمّ أخذها جعفر فقاتل بها، حتّى إذا أرهقه القتال، اقتحم عن فرسه فعقرها، ثم قاتل، فقطعت يمينه، فأخذ الراية بيساره، فقطعت يساره، فاحتضن الراية بعضديه حتّى قتل، وله ثلاث وثلاثون سنة «٢» ، ووجد المسلمون ما بين صدره ومنكبيه وما أقبل منه تسعين جراحة، ما بين ضربة بالسّيف، وطعنة بالرمح كلّها في الأمام «٣» ، ومات فتى الفتيان وهو يحنّ إلى الجنّة، ويتغنّى بنعمائها، ويستهين بالعدوّ وعدده وعدده، وبزخارف الدنيا.

فلمّا قتل جعفر، أخذ عبد الله بن رواحة الرّاية وتقدّم بها، ونزل عن فرسه، وأتاه ابن عمّ له، بعظم عليه بعض لحم، وقال: شدّ بهذا صلبك، فإنّك قد لقيت في أيامك هذه ما لقيت، فأخذ بيده وأخذ منه بفمه يسيرا، ثمّ ألقاه من يده، وأخذ سيفه فتقدّم وقاتل حتى قتل «٤» .


(١) سيرة ابن هشام: ج ٢، ص ٣٧٧- ٣٧٨.
(٢) زاد المعاد: ج ١، ص ٤١٥ باختصار.
(٣) ابن كثير: ج ٣، ص ٤٧٤، وزاد المعاد: ج ١، ص ٤١٥، وجاء في (الجامع الصحيح) «فوجدناه في القتلى، ووجدنا ما في جسده بضعا وتسعين ما بين طعنة ورمية» [انظر كتاب المغازي، باب غزوة مؤتة، رقم الحديث (٤٢٦٠) ] .
(٤) زاد المعاد: ج ١، ص ٤١٥، سيرة ابن هشام: ج ٢، ص ٣٧٩ [وأخرجه أبو داود في كتاب الجهاد، باب في الدابة تعرقب في الحرب، برقم (٢٥٧٣) من حديث عبد الله بن-

<<  <   >  >>