فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وصعد على جبل «الصّفا» ونادى بأعلى صوته:
«يا صباحاه» ، وكانت صيحة معروفة مألوفة، كلّما أحسّ إنسان بخطر عدوّ، يغير على بلد، أو على قبيلة، على غفلة منهما، نادى:
«يا صباحاه» فلم تتأخّر قريش في تلبية هذا النداء، واجتمعوا إليه بين رجل يجيء إليه وبين رجل يبعث إليه رسوله.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«يا بني عبد المطلب، يا بني فهر، يا بني كعب! أرأيتم لو أخبرتكم أنّ خيلا بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم، صدّقتموني؟!» .
كان العرب واقعيّين عمليّين، إنّهم رأوا رجلا جرّبوا عليه الصّدق والأمانة والنصيحة، قد وقف على جبل يرى ما أمامه، وينظر إلى ما وراءه، وهم لا يرون إلّا ما هو أمامهم، فهداهم ذكاؤهم وإنصافهم إلى تصديق هذا المخبر الأمين الصّادق، فقالوا: نعم.
ولمّا تمّت هذه المرحلة الطبيعية البدائية، وتحققت شهادة المستمعين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد»«١» .
[الحكمة البليغة في الدعوة والتعليم:]
وكان ذلك تعريفا بمقام النبوّة، وما ينفرد به من علم بالحقائق الغيبية
(١) [أخرجه البخاري في كتاب التفسير، باب «وأنذر عشيرتك الأقربين» برقم (٤٧٧٠) و (٤٧٧١) ، ومسلم في كتاب الإيمان، باب في قوله تعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ برقم (٢٠٨) ، وأحمد (١/ ٢٨١) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما] .