حدث باليمن من استيلاء الحبشة عليها، وتملك الفرس لها، في منتصف القرن السادس المسيحيّ، وفقدت مملكة الحيرة ومملكة غسان الشيء الكثير من العظمة والأبّهة، فأصبحت مكّة بعد ذلك كلّه هي عاصمة جزيرة العرب الروحيّة والاجتماعيّة من غير منافس ولا مشارك.
[الناحية الخلقية:]
وكانت الناحية الخلقية ضعيفة- غير الأعراف والآداب والقيم الجاهليّة التي كانوا يؤمنون بها ويعضّون عليها بالنّواجذ- فقد فشا فيهم القمار، والميسر، وافتخروا به، وفشت فيهم الخمر وانتشرت القيان، ومجالس اللهو، وحفلات العزف، يقدّم فيها الشراب، وفشا فيهم بعض الفواحش، وقد وجد الظلم والقسوة، وغمط الناس، وبطر الحق، وأكل أموال الناس بالباطل.
ولا تصوير للحالة الخلقية التي كان يعيشها أهل الجزيرة بصفة عامة وأهل مكة بصفة خاصة، أبلغ وأصدق من تصوير جعفر بن أبي طالب الهاشميّ القرشيّ- وهو ابن مكة الأصيل- للحياة العربية والأخلاق الجاهلية أمام النجاشيّ، وقد جاء فيه:
(١) راجع «سيرة ابن هشام» : ج ١، ص ٣٣٦، يرجع في معرفة المجتمع الجاهلي إلى فصل «المجتمع العربي» من كتاب (المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام) للدكتور جواد علي: ٤/ ٢٧١- ٤١٤ [أخرجه أحمد في مسنده (١/ ٢٠٢) و (٥/ ٢٩٠- ٢٩٢) ؛ وأبو نعيم في «الحلية» (١/ ١١٥) ؛ وابن هشام في السيرة: (١/ ٣٤٤) ؛ والبيهقي في-