حياته، ويظنّ نفسه ذئبا مفترسا، أو أفعى، أو ثعبانا، فحين يذهل الإنسان عن هذه الحقائق الكبرى يتحوّل بحر هذه الحياة إلى نار متأجّجة، ولهب مرتفع، هنالك يزدرد الإنسان أخاه، ويفترسه، ولا يحتاج إلى الثعابين، والعقارب، والذئاب، والفهود.. فقد ينقلب الإنسان أكبر ذئب في هذه الغابة الإنسانية.. تخجل أمامه الذئاب، ويتحوّل شيطانا ماردا، تستحي منه الشياطين، هنالك يحترق الإنسان، ويشوى في ناره التي أشعلها بنفسه، ولا يحتاج إلى أن يستوردها من الخارج.
في هذه الفترة الرهيبة المظلمة تهبّ نفحة من نفحات الرحمة الإلهيّة، وتنتعش رفات الإنسانيّة الخامدة الهامدة، وتزوّدها بملّاحين يجدّفون سفينتها بنجاح ومهارة.
٤- مهمّة النبوة ودورها في الإنقاذ والإسعاد وطبيعة عمل الأنبياء:
وأضرب- لتوضيح مهمّة النبوّة، وطبيعة عمل الأنبياء- مثلا سوف نفهم به مهمّة النبوّة وموقفها من غير دلائل فلسفية دقيقة.
يحكى أنّ فريقا من تلاميذ المدارس ركبوا سفينة للنزهة في البحر، أو للوصول إلى البرّ، وكان في النفس نشاط وفي الوقت سعة، وكان الملّاح المجدّف الأميّ خير موضوع للدعابة والتّندّر، وخير وسيلة للتلهّي، وترويح النفس، فخاطبه تلميذ ذكيّ جريء، وقال: يا عمّ، ماذا درست من العلوم؟ قال الملّاح: لا شيء يا عزيزي!