فلمّا سمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالرحيل، لئلا ينشغل الناس بهذه الفتنة، ويجد الشيطان سبيلا إلى نفوسهم، وذلك في ساعة لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتحل فيها، فارتحل الناس.
ومشى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس يومهم ذلك حتّى أمسى، وليلتهم حتّى أصبح، وصدر يومهم ذلك، حتّى آذتهم الشمس، ثم نزل بالناس فلم يلبثوا أن وجدوا مسّ الأرض، فوقعوا نياما.
وقدم عبد الله بن عبد الله بن أبيّ الناس، حتّى وقف لأبيه على الطريق، فلمّا رآه أناخ به، وقال: لا أفارقك حتّى تزعم أنّك الذليل، ومحمد العزيز، فمرّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«دعه، فلعمري لنحسننّ صحبته ما دام بين أظهرنا»«١» .
قصّة الإفك:
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا، أقرع بين نسائه، فأيّتهن خرج سهمها خرج بها معه، وخرج سهم عائشة بنت أبي بكر زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق، فخرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلمّا فرغ من سفره ذلك توجّه قافلا، حتّى إذا كان قريبا من المدينة نزل منزلا، فبات به بعض الليل، ثمّ أذّن بالرحيل، وخرجت عائشة لبعض حاجتها، وفي عنقها عقد لها، فانسلّ من
(١) طبقات ابن سعد: ج ٢، ق ١، ص ٤٦، طبع ليدن. [وقد وردت أخبار محاولة المنافقين في إثارة الفتنة بين المسلمين لما حصل بين الرجل الأنصاري والمهاجرين فيما أخرجه البخاري في كتاب التفسير، باب (يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل) برقم (٤٩٠٧) والترمذي في أبواب تفسير القرآن، تفسير سورة المنافقين، برقم (٣٣١٥) ، وأحمد في المسند (٢/ ٣٩٢- ٣٩٣) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما] .