للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نبوءة لا يسيغها العقل الماديّ:

وفي هذه الحال التي اضطرّ فيها نبيّ الله إلى الهجرة، والخروج من مكّة، والقوم يطاردونه ويتبعون آثاره، نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم البعيد الذي يطأ فيه أتباعه تاج كسرى وعرش قيصر، ويفتحون خزائن الأرض، فتنبأ في هذا الظلام الحالك بهذا النور الباهر، وقال لسراقة: «كيف بك إذا لبست سواري كسرى؟» .

إنّ الله قد وعد نبيّه بالنصر والفتح المبين، ولدينه بالظهور العامّ والفتح التامّ، وقال: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة: ٣٣] .

وقد أنكر ذلك قصار النظر وضعاف العقول، واستبعدته قريش، ولكنّ عين النبوة ترى البعيد قريبا إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ [آل عمران: ٩] .

وكان كذلك، فلمّا أتي عمر- رضي الله عنه- بسواري كسرى ومنطقته وتاجه، دعا سراقة بن مالك فألبسه إياها «١» .

وعرض عليه سراقة الزاد والمتاع، فلم يقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يزد أن قال: «أخف عنّا» «٢» .

[رجل مبارك:]

ومرّا في مسيرهما بأمّ معبد الخزاعيّة، وكانت عندها شاة خلّفها الجهد عن الغنم، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ضرعها، وسمّى الله، ودعا، فدرّت،


(١) الاستيعاب في معرفة الأصحاب: لابن عبد البر، ج ٢، ص ٥٩٧.
(٢) أخرجه البخاري [في كتاب مناقب الأنصار] باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم [برقم ٣٩٠٦] .

<<  <   >  >>