إنّها البعثة المحمدية التي أتحفت الإنسانية بهذه التحفة النادرة- عقيدة التوحيد- التي كانت مجهولة مغمورة، مظلومة مغبونة، أكثر من أيّ عقيدة في العالم، ثمّ ردّد صداها العالم كلّه، وتأثرت بها الفلسفات العالمية والدعوات العالميّة كلّها في قليل أو كثير.
إنّ بعض الديانات الكبيرة التي نشأت على الشّرك وتعدّد الآلهة وامتزجت به لحما ودما، اضطرّت في الأخير إلى أن تعترف- ولو بصوت خافت، وهمسة في الآذان- أنّ الله واحد لا شريك له، وأرغمت على تأويل معتقداتها المشركة تأويلا فلسفيا يبرّئها من تهمة الشرك والبدعة، وتجعلها متشابهة بعقيدة التوحيد في الإسلام بقدر ما، وبدأ رجالها وسدنتها يستحون من الاعتراف بالشّرك، ويخجلون من ذكره، وأصيبت هذه الأنظمة المشركة كلّها بمركّب النقص، والشعور بالصّغار والهوان) Inferiority Complex (فكانت هذه التحفة أغلى التّحف التي سعدت بها الإنسانيّة بفضل بعثته صلى الله عليه وسلم.
٢- مبدأ الوحدة الإنسانية والمساواة البشرية:
ومأثرته الثانية العظيمة، ومنّته الباقية السائرة في العالم، هو تصوّر الوحدة الإنسانيّة والمساواة البشرية، كان الإنسان موزّعا بين قبائل وأمم وطبقات بعضها دون بعض، وقوميّات ضيقة، وكان التفاوت بين هذه الطبقات تفاوتا هائلا كتفاوت ما بين الإنسان والحيوان، وبين الحرّ والعبد، وبين العابد والمعبود، لم تكن هناك فكرة عن الوحدة والمساواة إطلاقا، فأعلن النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعد قرون طويلة من الصّمت المطبق، والظلام السائد ذلك الإعلان الثائر، المدهش للعقول، القالب للأوضاع: «أيّها الناس إن ربّكم واحد، وإنّ أباكم واحد، كلّكم لآدم، وآدم من تراب، إنّ أكرمكم عند الله