للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أتقاكم، وليس لعربيّ على أعجميّ فضل إلّا بالتقوى» «١» .

وهذا الإعلان يتضمّن إعلانين، هما الدّعامتان اللّتان يقوم عليهما الأمن والسلام، وعليهما قام السلام في كلّ زمان ومكان، وهما: وحدة الربوبية والوحدة البشريّة، فالإنسان أخو الإنسان من جهتين، والإنسان أخو الإنسان مرتين، مرة «وهي الأساس» لأنّ الربّ واحد، ومرة ثانية لأنّ الأب واحد يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء: ١] ، يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات: ١٣] .

إنّها كلمات خالدة جرت على لسان النّبيّ صلى الله عليه وسلم في حجّة الوداع، وحينما قام النّبيّ صلى الله عليه وسلم بهذا الإعلان التاريخيّ العظيم، لم يكن العالم في وضع طبيعيّ هادىء يسيغ فيه هذه الكلمات الجريئة الصريحة، ويطيقها.

إنّ هذا الإعلان لم يكن أقلّ من زلزال هائل عنيف، إنّ هناك أشياء قد تتحمّلها بصورة تدريجيّة، أو من وراء ستار، مثل التيار الكهربائيّ، فقد نلمسه إذا كان مغطى، أو داخلا في باطن الأسلاك،.. ولكنّنا إذا لمسناه عاريا أصابتنا صدمة عنيفة، أو قضي علينا بتاتا.

إنّ هذه الأشواط البعيدة، والمسافات الشاسعة من العلم والفهم، والفكر الإنسانيّ التي قطعتها الإنسانيّة اليوم بفضل الدعوة الإسلاميّة، وظهور المجتمع الإسلاميّ، وبجهود الدعاة، والمصلحين والمربّين، جعلت هذا الإعلان الهائل، الثائر الفائر، المزلزل لأوكار الجاهلية، ومعاقل الشرك


(١) كنز العمال (٣/ ٩٣) برقم (٥٦٥٢) .

<<  <   >  >>