للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبلغ أبا سفيان مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقصده إياه، فأرسل إلى مكة مستصرخا لقريش ليمنعوه من المسلمين، وبلغ الصريخ أهل مكّة، فجدّ جدّهم، ونهضوا مسرعين ولم يتخلّف من أشرافهم أحد، وحشدوا من حولهم من قبائل العرب، ولم يتخلّف عنهم أحد من بطون قريش إلا القليل النادر، وجاؤوا على حميّة، وغضب، وحنق.

[تجاوب الأنصار وتفانيهم في الطاعة:]

ولمّا بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خروج قريش استشار أصحابه، وكان يعني الأنصار لأنهم بايعوه على أن يمنعوه في ديارهم، فلمّا عزم على الخروج من المدينة، أراد أن يعلم ما عندهم، فتكلم المهاجرون، فأحسنوا، ثمّ استشارهم ثانيا فتكلّموا أيضا فأحسنوا، ثمّ استشارهم ثالثا، ففهمت الأنصار


- فكان هنالك إمكانان متبائنان: إما هجوم المسلمين على الركب التجاري، وإما مواجهة زحف قريش، فكان من الطبيعي أن يؤثر العدد الغالب من الخارجين من المدينة مواجهة الركب التجاري فقط بطبيعة الحال، ومقتضى الفطرة، ويقضي الله بترجيح الجانب المقابل، وهو وقوع الضربة الموجعة الحاسمة على أعداء الإسلام المغيرين، وإشعارهم بما للإسلام والمسلمين من مستقبل زاهر. وقد سبق ذلك نزول الآية: وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ (٧) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ [الأنفال: ٧- ٨] . وقد روى الطبريّ في (التفسير) عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ قال: «أقبلت عير أهل مكة- يريد من الشام- فبلغ أهل المدينة ذلك، فخرجوا ومعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدون العير، فبلغ ذلك أهل مكة، فسارعوا السير إليها، لا يغلب عليها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فسبقت العير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الله وعدهم إحدى الطائفتين، فكانوا أن يلقوا العير أحبّ إليهم، وأيسر شوكة، وأحضر مغنما، فلما سبقت العير، وفاتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، سار رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين يريد القوم، فكره القوم مسيرهم لشوكة في القوم.

<<  <   >  >>