وهكذا فاقت مكّة في التجارة، وأثرى كثير من أبنائها، وتضخّمت رؤوس أموالهم، يدلّ على ذلك أن عير قريش التجارية التي كانت عائدة من الشام عند غزوة بدر بلغت ألف بعير، وبلغ المنقول على أثقالهم خمسين ألف دينار.
وكانوا يتعاملون بالعملة الرّومانية البيزنطية والعملة الإيرانية السّاسانية «١»
(١) يبدو من الاستقراء الكثير، وتتبّع ما كتب في الموضوع، أنّ العملة في العصر الجاهلي، وفي صدر الإسلام كانت على نوعين: (١) دراهم؛ (٢) دنانير. أمّا الدراهم فكانت على نوعين كذلك، نوع عليه نقش فارس؛ وتسمى بغلية؛ وهي سود وافية، والآخر عليه نقش الروم، وتسمى غالبا طبرية وبيزنطية: وكانت كلها من الفضة؛ وكانت مختلفة الأوزان؛ ولهذا كان أهل مكة في الجاهلية يتعاملون بها وزنا لا عدا. ويتلخّص من أقوال العلماء، أن الدرهم- وهو الذي اعتبره الشرع خمسا وخمسين حبة من الشعير الوسط في الوزن، وتزن العشرة من الدراهم سبعة مثاقيل من الذهب، ووزن المثقال من الذهب الخالص اثنتان وسبعون حبة، وعلى ذلك حكى ابن خالدون الإجماع. وكانت النقود الفضية هي الشائعة والكثيرة الاستعمال عند العرب في عصر النبوة، ولهذا قال عطاء: «إنما كان إذ ذاك الورق، ولم يكن الذهب» (مصنف ابن أبي شيبة: ج ٣، ص ٢٢٢) . أمّا الدنانير فكانت من الذهب، وكانت في الجاهلية وأول الإسلام- بالشام، وعند عرب الحجاز- كلها رومية تضرب ببلاد الروم عليها صورة الملك، واسم الذي ضربت في أيامه مكتوبة بالرومية، كما قال ابن عبد البر في التمهيد: وكلمة «الدينار» معربة من Denarius وكانت عملة رومية قديمة، ولا يزال لها رواج في بعض البلاد الأوربية وقد جاء ذكرها في الإنجيل مرارا، وكان الدينار يزن مثقالا، ووزن المثقال من الذهب الخالص كما قدمنا اثنتان وسبعون حبة من الشعير الوسط، والمشهور أنه لم يتغير في جاهلية ولا إسلام. وقد جاء في دائرة المعارف الإسلامية أن الدينار البيزنطي يزن ٥٥، ٤ من الغرامات، وأثبت المستشرق- زمباور- في هذا الكتاب أن المثقال المكي (كذلك) يبلغ وزنه ٥٥، ٤ من الجرامات (راجع مادة «دينار» ؛ ج ٩ ص ٣٧٠) -.