للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عيونهم، وكأنّهم كانوا من هذه الدّعوة على ميعاد.

خصائص المدينة المنوّرة (يثرب) :

وكان من حكمة الله تعالى في اختيار المدينة دارا للهجرة، ومركزا للدّعوة، عدا ما أراده الله من إكرام أهلها، وأسرار لا يعلمها إلّا الله، أنّها امتازت بتحصّن طبيعيّ حربيّ، لا تزاحمها في ذلك مدينة قريبة في الجزيرة، فكانت حرة «١» الوبرة مطبقة على المدينة من الناحية الغربية، وحرة واقم مطبقة على المدينة من الناحية الشرقية، وكانت المنطقة الشمالية من المدينة، هي الناحية الوحيدة المكشوفة (وهي التي حصّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق سنة خمس في غزوة الأحزاب) وكانت الجهات الآخرى من أطراف المدينة محاطة بأشجار النّخيل والزّروع الكثيفة، لا يمرّ منها الجيش إلا في طرق ضيقة لا يتفق فيها النظام العسكريّ، وترتيب الصّفوف.

وكانت خفارات عسكرية صغيرة، كافية بإفساد النظام العسكريّ ومنعه من التقدّم، يقول ابن إسحاق: «كان أحد جانبي المدينة عورة، وسائر جوانبها مشككة بالبنيان والنخيل، لا يتمكّن العدوّ منها» .

ولعلّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قد أشار إلى هذه الحكمة الإلهيّة في اختيار المدينة بقوله لأصحابه قبل الهجرة: «إنّي رأيت دار هجرتكم، ذات نخل بين لابتين» »


(١) و «الحرة» أو «اللابة» منطقة سوداء من الحجارة النخرة المحترقة أو المؤلفة من السائل البركاني يمتنع فيها المشي بالأقدام، ومشي الإبل والخيل- فضلا عن مرور الجيش- وقد ذكر العلامة مجد الدين الفيروز آبادي (ت ٨٢٣ هـ) في كتابه «المغانم المطابة في معالم طابة» في حرف الحاء: حرات كثيرة تحيط بالمدينة من عدة جوانب يدنو بعضها، ويبعد بعضها؛ وتحميها من الغزو من الخارج أو تحدث صعوبات وعراقيل في تحرك الجيوش (راجع الكتاب، ص ١٠٨- ١١٤) .
(٢) أخرجه البخاري [في كتاب مناقب الأنصار] باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ... [برقم-

<<  <   >  >>