لقد تغيّرت الدّنيا بعد بعثة النّبيّ صلى الله عليه وسلم بفضل تلك التعاليم السامية، كما يتغيّر الطقس، وانتقلت الإنسانية من فصل كلّه جدب وخريف، وسموم وحميم، إلى فصل كلّه ربيع وأزهار، وجنات تجري من تحتها الأنهار، تغيّرت طباع الناس، وأشرقت القلوب بنور ربّها، وعمّ الإقبال على الله، واطّلع الإنسان على طعم جديد لم يألفه، وذوق لم يجرّبه، وهيام لم يعرفه من قبل.
انتعشت القلوب الخاوية الضّامرة الباردة الهامدة؛ بحرارة الإيمان وقوة الحنان، استضاءت العقول بنور جديد، وسكرت النفوس بنشوة جديدة، وخرجت الإنسانيّة أفواجا تطلب الطريق الصحيح ومحلّها الرفيع، وتحنّ إلى مكانتها السامقة العالية، فلا ترى أمة من الأمم، وبلدا من البلاد، إلا وهو يريد السباق في هذا المضمار، ويتنافس فيه، فما ترى العرب والعجم، ومصر والشام، وتركستان وإيران، والعراق وخراسان، وشمالي إفريقية، والأندلس وبلاد الهند، وجزائر شرق الهند، إلّا سكارى هذا الحبّ العلويّ، والفيض السماويّ، وعشّاق هذا الهدف السامي، وفقراء على هذا الباب العالي.
كان يبدو أنّ الإنسانية أفاقت واستيقظت، وفتحت عيونها بعد سبات عميق طويل، دام قرونا طويلة، فأرادت أن تتدارك ما فاتها حتّى عمر كلّ جزء