اعتبارات حكيمة خاصة بالملوك الذين وجّهت إليهم هذه الرسائل:
ويلاحظ القارىء الذكيّ فوارق دقيقة مؤسّسة على حكمة الدعوة والرسالات النبويّة، روعي فيها ما يمتاز به هؤلاء الملوك في العقائد التي يدينون بها، و «الخلفيات» التي يمتازون بها.
فلمّا كان «هرقل» و «المقوقس» يدينان بألوهية المسيح كليّا وجزئيا، وكونه ابن الله، جاءت في الكتابين اللذين وجّها إليهما كلمة «عبد الله» مع اسم النبيّ الكريم صلى الله عليه وسلم صاحب هاتين الرّسالتين، فيبتدىء الكتابان بعد التسمية بقوله:«من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم» ، وبقوله:«من محمّد عبد الله ورسوله إلى المقوقس عظيم القبط» بخلاف ما جاء في كتابه صلى الله عليه وسلم إلى كسرى أبرويز، فاكتفى بقوله:«من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس» .
- أمّا الكتاب الذي وجّه إلى الإمبراطور الروماني هرقل، فقد كان محفوظا في إسبانيا إلى القرن السابع الهجري، وقد أشار إلى وجوده في عصره المحدّث والمؤرّخ الشهير العلامة السّهيلي من رجال القرن السادس الهجري. وقد جاء في «إرشاد الساري» لشرح صحيح البخاري تأليف أبي العباس شهاب الدين أحمد بن محمد القسطلاني، المتوفى سنة ٩٢٣ هـ، (١/ ٨١) : «وحكي أنّ ملك الإفرنج في دولة الملك المنصور قلاوون الصالحي أخرج لسيف الدين قبج صندوقا مصفحا بالذهب، واستخرج منه مقلمة من ذهب، فأخرج منها كتابا زالت أكثر حروفه، فقال: هذا كتاب نبيّكم إلى جدّي قيصر، مازلنا نتوارثه إلى الآن، وأوصانا آباؤنا أنّه ما دام هذا الكتاب عندنا لا يزال الملك فينا، فنحن نحفظه» .