وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة والناس يتلقّونه في الطريق أرسالا، ويطلبون منه الإقامة عندهم، ويقولون: أقم عندنا في العدد والعدد والمنعة، ويمسكون بزمام النّاقة، فيقول:«خلّوا سبيلها، فإنّها مأمورة» ووقع ذلك مرارا.
ولمّا مرّ النبيّ صلى الله عليه وسلم بحيّ من بني النجّار إذا جوار يضربن بالدفوف ويقلن:
[من الرجز]
نحن جوار من بني النّجار ... يا حبّذا محمّد من جار
حتّى إذا أتى دار بني مالك بن النجّار، بركت على مكان فيه باب المسجد النبويّ اليوم، وهو يومئذ مربد «١» لغلامين يتيمين من بني النجّار، وهم أخواله صلى الله عليه وسلم.
ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الناقة، فاحتمل أبو أيوب- خالد بن زيد النجاريّ الخزرجيّ- رحله، فوضعه في بيته، ونزل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فبالغ أبو أيوب في ضيافته وإكرامه، ونزل في السّفل من البيت، وكره أبو أيوب وأعظم أن يكون في العلوّ، فطلب منه أن يكون هو صلى الله عليه وسلم في العلوّ، ويكون هو- رضي الله عنه- وعياله في السفل، فقال:«يا أبا أيوب! إنّ أرفق بنا وبمن معنا وبمن يغشانا أن نكون في سفل البيت» .
(١) ابن كثير: ج ٢، ص ٢٧٤ [وأخرجه ابن ماجه في أبواب النكاح، باب الغناء والدف، برقم (١٨٩٩) ، والطبراني في الصغير (ج ١/ ص ٦٥) برقم (٧٨) ، وأبو يعلى في مسنده (ج ٦/ ١٣٤) برقم (٣٤٠٩) من حديث أنس رضي الله عنه، وقال الهيثمي في المجمع (١٠/ ٤٢) : رواه أبو يعلى من طريق رشيد عن ثابت، ورشيد هذا قال عنه الذهبي: مجهول] .