أتمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين سنة من عمره، والدّنيا واقفة على شفا حفرة من النّار، والإنسانيّة تخطو بخطى سريعة إلى الانتحار، هنالك ظهرت تباشير الصبح وطلائع السعادة، وآن أوان البعثة، وتلك سنّة الله إذا اشتدّ الظلام وطالت الشّقوة.
وبلغ قلق رسول الله صلى الله عليه وسلم مما كان يراه من جهل وجاهلية، وخرافة ووثنية، وتطلّعه إلى الإرشاد والهداية، من فاطر الكون وخالق السموات والأرض- ذروته، كأنّ حاديا يحدوه، فحبّب إليه الخلاء، فلم يكن شيء أحبّ إليه من أن يخلو وحده، وكان يخرج من مكّة ويبعد، حتى تحسر عنه البيوت، ويفضي إلى شعاب مكة وبطونها وأوديتها، فلا يمرّ بحجر ولا شجر إلا قال: السلام عليك يا رسول الله! ويلتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم حوله وعن يمينه وشماله وخلفه، فلا يرى إلا الشجر والحجارة «١» .
(١) سيرة ابن هشام: ١ ج، ص ٢٣٤- ٢٣٥. وقد جاء في صحيح مسلم قوله صلى الله عليه وسلم: «إنّي لأعرف حجرا بمكة، كان يسلّم عليّ قبل أن أبعث، إنّي لأعرفه الآن» (كتاب الفضائل، باب فضل نسب النبي صلى الله عليه وسلم) [برقم (٢٢٧٧) من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه] .