الإسلام، وإضعاف شأن المسلمين، وكانت كتائبهم تصل إلى حدود المدينة وإلى مراعيها.
فلمّا سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان مقبلا من الشّام على رأس هذه العير، وكان من أشدّ الناس عداوة للإسلام، ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس للخروج إليها، ولم يحتفل احتفالا بليغا، لأنّ الأمر أمر عير لا نفير «١» .
(١) كما جاء في رواية كعب بن مالك التي جاءت في (صحيح البخاري) باب غزوة بدر. ويبدو من متابعة الأخبار والقرائن الدقيقة أنّ هذا الركب التجاري الذي اتجه إلى الشام، إنما كان من ضمن الاستعداد للهجوم على المدينة، فقد ثبت تاريخيا أن أهل مكة (بصفة العموم والإطباق) أسهموا في تمويل هذا الركب بسهامهم، حتى تستطيع قريش الإغارة على المدينة، حتى النساء أسهمن بأموالهنّ في تجهيز هذا الركب، وكان هذا الركب التجاري عائدا ببضائع تجارية، قيمتها نحو خمسين ألف دينار ذهبي، وكان الهدف استخدام هذه الثروة في الإغارة على المدينة. قال البيهقي في (دلائل النبوة) ٣/ ١٠٢: يقال: كانت عيرهم ألف بعير، ولم يكن لأحد من قريش أوقية فما فوقها، إلا بعث بها مع أبي سفيان، وكذلك جاء في (طبقات ابن سعد) . وتدلّ القرائن العقلية والعادات المتّبعة، على أن الركب كان يحمل كمية كبيرة من الأسلحة الحربية المستوردة من الشام، لأن مكة والحجاز لم تكن فيها مصانع للأسلحة الحربية، وإنما كانت تستورد من الخارج، وكانت هذه الأسلحة مهيأة ومستوردة للقتال ضد الجالية الإسلامية الصغيرة القاطنة في المدينة. فكان مما تقتضيه مصلحة الدفاع عن المدينة وعن الكيان الإسلامي الفريد القليل في العدد والعدّة، أن يحال بين قريش وبين هدف الهجوم على المدينة، مستعينة في ذلك بهذه الثروة الطائلة، التي حصّلتها عن طريق التجارة، وجلب البضائع الثمينة والمال التجاري من سورية الغنية الراقية، إضافة إلى الأسلحة الحربية السورية، وكان حملتها من المغيرين الجائرين على الجالية الإسلامية الصغيرة، والمستحلّين لنفوسها وأموالها وأعراضها. ويبدو من متابعة الأخبار، واستعراض المحيط الذي أحاط بهذا الإقدام العسكري، أنّ قريشا لما بلغهم همّ المسلمين بمواجهة الركب التجاري القادم من الشام، استعدّت للدفاع عن هذا الركب، ولو اقتضى ذلك الهجوم على الجالية الإسلامية اللاجئة في المدينة، وذلك تحت قيادة أبي جهل أعدى عدوّ للإسلام-.