للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الممطورة، والأماكن التي خرجت فيها المياه الجوفيّة عيونا وينابيع، أو قاربت المياه فيها سطح الأرض فأمكن حفر الآبار فيها.

فالحياة في جزيرة العرب، هي هبة الماء، فكانت القوافل تؤمّه، وإليه كانت الطبيعة تقذف بالأعراب من كلّ مكان، وكانوا لا يرتبطون بالأرض ارتباط المزارع بأرضه، فلا يستقرّون في مكان إلّا إذا وجدوا فيه الكلأ والماء، فإذا جفّ الكلأ، وقلّ الماء ارتحلوا إلى مواضع جديدة.

ولذلك صارت حياتهم حياة قاسية، يتمثّل مجتمعهم في القبيلة، فالقبيلة هي الحكومة والقوميّة في نظر البدويّ، وكانت هذه الحياة لا تعرف الرّاحة والاستقرار، ولا تعترف إلا بمنطق القوّة، حياة جلبت المشقّة لأصحابها، والمشقّة لمن يقيم على مقربة منهم من الحضر، فهم في نزاع دائم فيما بينهم، ثمّ هم في نزاع مع الحضر.

ولكنّ العربيّ من ناحية أخرى مخلص، مطيع لتقاليد قبيلته، كريم يؤدّي واجبات الضّيافة، والمحالفة في الحروب، كما يؤدّي واجبات الصّداقة، مخلصا في أدائها، بحسب ما رسمه العرف، وقد نطق به شعرهم، وزخر به أدبهم، من حكم وأمثال، ومثل، وقيم.

والعربيّ يحبّ المساواة، ويعشق الحرّية، وهو رجل جادّ، صارم، قلّ في مجتمعه الإسفاف، محافظ، متمسّك بحياته، معتزّ بما كتب له، وإن كانت حياة خشونة وصعوبة.

والممعن في البداوة منهم ضعيف الإيمان بدين، قلّ أن يؤمن إلّا بتقاليد قبيلته، وما ورثه عن آبائه، مثله الأعلى في الأخلاق تركّز فيما سمّاه المروءة، وتغنّى بها في شعره وأدبه.

<<  <   >  >>