للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لحفيده اليتيم، الذي كان أحبّ أولاده إليه، مرضعا من البادية، على عادة العرب، وكان العرب يؤثرون البادية لرضاعة الأطفال ونشأتهم الأولى، لما في هواء البادية من الصفاء، وفي أخلاق البادية من السلامة والاعتدال، والبعد عن مفاسد المدنية، ولأنّ لغة البادية سليمة أصيلة.

وجاءت المراضع من قبيلة بني سعد، وكانت لها شهرة في المراضع وفي الفصاحة، وأدركت حليمة السعديّة «١» هذه السعادة، وكانت خرجت من بلدها تلتمس الرضعاء، وكان العام عام جدب، وهم في ضيق وشدّة، وعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على جميع المراضع فزهدن فيه، وذلك لأنهنّ كنّ يرجون المعروف من أبي الصبيّ، فقلن: يتيم! وما عسى أن تصنع أمّه وجدّه؟!

وهكذا فعلت حليمة، فانصرفت عنه أوّل مرة، ثمّ انعطف قلبها عليه، وألهمها الله حبّه، وأخذه، ولم تكن وجدت غيره، فرجعت إليه، فأخذته، وذهبت به إلى رحلها، ولمست البركة بيدها، فكان لكلّ شيء في رحلها شأن غير الشأن، ورأت البركة في اللبان والألبان، والشارف والأتان، وكلّ يقول: لقد أخذت يا حليمة! نسمة مباركة، وحسدتها صواحبها «٢» .


- اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ [الفتح: ٢٣] برقم (٥١٠١) ، ومسلم في كتاب النكاح، باب تحريم الربيبة وأخت المرأة، برقم (١٤٤٩) ، وأبو داود في كتاب النكاح، باب: يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب، برقم (٢٠٥٦) كلّهم من حديث أم حبيبة رضي الله عنها] .
(١) السعدية: نسبة إلى سعد بن بكر بن هوازن، وهي بنت أبي ذؤيب، وزوجها الحارث بن عبد العزى.
(٢) [أخرج الطبراني في الكبير قصة إرضاع حليمة السعدية للنبي صلى الله عليه وسلم (٢٤/ ٢١٢- ٢١٥) ، والبيهقي في «الدلائل» (١/ ١٣٣- ١٣٦) ، وقال الهيثمي في المجمع (٨/ ٢٢١) : رواه أبو يعلى والطبراني بنحوه إلّا أنه قال: حليمة بنت أبي ذؤيب، ورجالها ثقات] .

<<  <   >  >>