للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شيء أغرب خيالا، وأبعد منالا من هذه النبوّة التي أعلنها القرآن عند فرح قريش والمشركين بانتصار المجوس المشركين على أهل الكتاب المسيحيين، وشماتتهم بهزيمة الروم المنكرة، فقال: وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ [الروم: ٣- ٤] (والبضع ما دون العشر) واستبعدته قريش كلّ الاستبعاد، حتى قامروا على ذلك استبعادا له.

يقول المؤرّخ الإنجليزيّ جبون:) Edward Gibbon (

«إنّ محمّدا تنبّأ حين بلغت فتوح الإيرانيين أوجها وقمتها، أنّ الرايات الرومية سترتفع بالفتح والانتصار في بضع سنين، ولم يكن شيء أبعد عن القياس من هذه النبوة التي أعلنها محمد، لأنّ السنين الاثنتي عشرة الأولى من حكم هرقل كانت تعلن بتمزّق الإمبراطوريّة الروميّة، ونهايتها القريبة» «١» .

ولكن تحقّقت هذه النبوّة بشكل غريب خارق للعادة، وذلك في سنة ٦٢٥ م (العام الثاني من الهجرة النبوية عند غزوة بدر) يقول «جيبون» في أسلوبه الأدبي القويّ المعروف:

«كما أنّ ضباب الصبح والأصيل ينقشع ويتبدد بنور الشمس البازغة الوهاج، كذلك تحوّل الأمير الرقيق المترف الذي لم يكن يعرف إلا الشباب والهوى، والذي كان على قدم أركاديوس في عصره «٢» ، فارسا منتصرا يقود الجيوش ويفتح البلاد كسيزر «٣» ، لقد أنقذت كرامة هرقل وروما بطريقة غريبة رائعة، وعاد إليهما اعتبارهما وقيمتهما» «٤» .


(١) تاريخ انحطاط روما وسقوطها: ج ٣، ص ٣٠٢- ٣٠٣، طبع ١٨٩٠ م.
(٢) الملك الرومي الخليع المستهتر الذي أصبح مثلا في تأريخ أوربة للتمتع المسرف والترف الفاحش.
(٣) الإمبراطور الرومي الذي اشتهر بفتوحه العظيمة وامتداد ملكه.
(٤) انحطاط روما وسقوطها: ج ٤، ص ٣٠٤، طبع ١٨٩٠ م.

<<  <   >  >>