للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وصنعه، كانت فارقة بين قريش وأهل مكة، وقبائل يثرب العربية، منها ما طبعها الله عليه من الرقّة واللّين وعدم المغالاة في الكبرياء وجحود الحقّ، وذلك يرجع إلى الخصائص الدمويّة والسّلالية التي أشار إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وفد وفد من اليمن، بقوله: «أتاكم أهل اليمن أرقّ أفئدة وألين قلوبا» «١» وهما ترجعان في أصلهما إلى اليمن، نزح أجدادهم منها في الزمن القديم، يقول القرآن مادحا لهم:

وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ [الحشر: ٩] .

ومنها أنّهما قد أنهكتهما الحروب الداخلية، وما يوم بعاث ببعيد «٢» ، وقد اكتووا بنارها، وذاقوا مرارتها، وعافوها، ونشأت فيهم رغبة في اجتماع الكلمة، وانتظام الشّمل، والتفادي من الحروب، وذلك ما عبّروا عنه بقولهم: «إنّا قد تركنا قومنا، ولا قوم بينهم من العداوة والشرّ ما بينهم،


(١) [أخرجه البخاريّ في كتاب المغازي، باب قدوم الأشعريين وأهل اليمن، برقم (٤٣٨٨) ، ومسلم في كتاب الإيمان، باب تفاضل أهل الإيمان فيه ... برقم (٥٢) ، والترمذي في أبواب المناقب، باب في فضل اليمن، برقم (٣٩٣٥) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه] .
(٢) «يوم بعاث» : آخر الحروب المشهورة بين الأوس والخزرج، وبعاث موضع في نواحي المدينة، وكانت هذه الحرب من إيعاز اليهود في المدينة؛ ودخل مع القبيلتين قبائل من اليهود والعرب؛ ومكثوا أربعين يوما يتجهزون للحرب والتقوا في بعاث؛ واقتتلوا قتالا شديدا، وصبروا جميعا، وانهزمت الأوس في أول النهار ثم دارت الدائرة على الخزرج؛ ووضعت الأوس فيهم السلاح، ثم انتهوا عنهم، وأحرقت الأوس دور الخزرج؛ وأكثر الأنصار الأشعار في «يوم بعاث» (عن ابن الأثير ملخصا) وذلك قبل الهجرة، بخمس سنين في أصح الروايات (فتح الباري: ج ٧، ص ٨٥) .

<<  <   >  >>