للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ليدخلنّ الحرم، فليمتنعنّ منكم به، ولئن قتلتموهم لتقتلنّهم في الشهر الحرام، فتردّد القوم، وهابوا الإقدام عليهم، ثمّ شجّعوا أنفسهم عليهم، وأجمعوا على قتل من قدروا عليه منهم، وأخذ ما معهم، فرمى واقد بن عبد الله التّميميّ عمرو بن الحضرميّ بسهم فقتله، واستأسر اثنين منهم، وأقبل عبد الله بن جحش وأصحابه بالعير وبالأسيرين.

فلمّا قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة قال: «ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام» ووقف العير والأسيرين وأبى أن يأخذ من ذلك شيئا، فلمّا قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم سقط في أيدي القوم، وظنّوا أنّهم قد هلكوا، عنّفهم إخوانهم المسلمون فيما صنعوا وقالت قريش: قد استحلّ محمد وأصحابه الشهر الحرام، وسفكوا فيه الدم، فأنزل الله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ «١» [البقرة: ٢١٧] .

قال العلّامة ابن قيم الجوزية في «زاد المعاد» : «والمقصود أنّ الله سبحانه حكم بين أوليائه وأعدائه بالعدل والإنصاف، ولم يبرّىء أولياءه من ارتكاب الإثم بالقتال في الشّهر الحرام بل أخبر أنّه كبير، وأنّ ما عليه أعداؤه المشركون أكبر وأعظم من مجرد القتال في الشّهر الحرام، فهم أحقّ بالذمّ والعيب والعقوبة، لا سيّما وأولياؤه كانوا متأوّلين في قتالهم ذلك، أو


- مركز الخلافة أو القيادة الإسلامية بوقف الإجراءات الحربية لأجل شهر من الأشهر الحرم، وعلى ذلك جرى المسلمون في عصورهم في الحروب والفتوح الإسلامية.
(١) سيرة ابن هشام: ج: ١، ص: ٦٠١- ٦٠٥ [أخرجه البيهقي (٩/ ١١- ١٢) ، والطبري في تفسيره (٢/ ٣٤٩- ٣٥٠) ، وأبو يعلى في مسنده برقم (١٥٣٤) ، والطبراني في الكبير برقم (١٦٧٠) من حديث جندب بن عبد الله رضي الله عنه، وقال الهيثمي في المجمع (٦/ ١٩٨) : رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح] .

<<  <   >  >>