فيهم جعفر بن أبي طالب، وذلك سنة خمس من النبوّة، ويستبعد أنّه صلى الله عليه وسلم كتب إليه كتابا يدعوه في ذلك الحين، فإنّ الأوضاع لم تكن تسمح بذلك، ولم يكن قد آن أوانه بعد، ولا نعرف أنّه صلى الله عليه وسلم كتب إلى ملك من الملوك قبل الهجرة يدعوه إلى الإسلام، وغاية الأمر أنّه طلب منه أن يؤوي المسلمين الذين قست عليهم قريش
واضطهدوهم.
ويستأنس من الأخبار التي رواها ابن هشام وغيره في كتب السيرة أنّه دخل الإيمان في قلبه، وآمن بأنّ عيسى ابن مريم- عليه الصلاة والسلام- هو عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم.
أمّا النّجاشيّ الذي كتب له النّبيّ صلى الله عليه وسلم كتابا يدعوه إلى الإسلام، فهو كما مال إليه الحافظ ابن كثير هو النجاشيّ الذي ولّي بعد المسلم صاحب جعفر بن أبي طالب، يقول ابن كثير:«وذلك حين كتب إلى ملوك الأرض يدعوهم إلى الله قبل الفتح» ، ونرجّح أنه هو الذي أسلم ونعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسلمين، وصلى عليه، وقد ذكر الأبيّ عن الواقديّ وغيره من أهل السير:
«أنّه النجاشيّ الذي صلّى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك في رجب سنة تسع منصرف تبوك»«١» .
وبذلك يحصل التوفيق بين الروايات المختلفة، وتدلّ عليه القرائن والدراية، والله أعلم.
كيف تلقّى هؤلاء الملوك هذه الرسائل الكريمة؟
فأمّا «هرقل» و «النّجاشي» و «المقوقس» فتأدّبوا، ورقّوا في جوابهم،
(١) [أخرجه مسلم في كتاب الجهاد، باب كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملوك الكفار يدعوهم إلى الإسلام، برقم (١٧٧٤) ، والترمذي في أبواب الاستئذان، باب مكاتبة المشركين، برقم (٢٧١٦) من حديث أنس رضي الله عنه] .